مسير وطني دعما لليطاني ... أوقفوا التلوث!

مشاركة


خاص اليسار

سوزان أبو سعيد ضو

لم يكن يوم الأحد 16 كانون الأول/ديسمبر يوما عاديا، بل كان يوما وطنيا واستثنائيا بكل معنى الكلمة، فعلى الرغم من الإعتصام الحاشد في العاصمة بيروت تأييدا لدعوة الحزب الشيوعي للإعتصام أمام ما يواجهه البلد من سياسات تمعن في إفقار الشعب والوطن اقتصاديا وبيئيا وفي كافة النواحي، فقد تداعى مواطنون، دون أي صفة حزبية أو سياسية أو مذهبية للمسير في حدث لا يقل أهمية، رفضا  لتلويث الليطاني، وهو النهر الأكبر في لبنان الذي يغذي مع روافده نسبة كبيرة من المزروعات التي تنتهي على موائد معظم اللبنانيين.

صغارا، شبانا وكبارا، تجاوز عددهم 300 شخصا، ومن كافة الفئات والمذاهب والدرجات العلمية والثقافية، توافدوا إلى جسر صغبين منذ الصباح الباكر، داعين للوعي حول التلوث الذي أصاب النهر وبحيرة القرعون، قاطعين مسافة تزيد على 13 كيلومترا مشيا على الأقدام، وسط السهول المحيطة المحضرة للمزروعات المختلفة، وصولا إلى سد القرعون، الذي تحول إلى بؤرة ومجمع لكافة المواد السامة والصناعية والزراعية التي تضَّخ بشكل مستمر ومنذ أكثر من 40 عاما، ما أحالت المسطح المائي الغني من الناحية السياحية والزراعية وكموطن للطيور والأسماك التي كانت تعد ثروة لجوار السد، إلى كتلة خضراء ومزيج "كوكتيل" من السموم ومنها بكتيريا السيانوبكتيريا التي استنفذت الأوكسجين من البحيرة وأحالتها إلى كتلة من السموم والموت.

على الرغم من كل شيء، كانت المنطقة تزخر بجمال طبيعي آخاذ، ولم يشعر المشاركون بالمسافة الكبيرة، في مبادرة أسموها "مبادرة وعي"، وهي مسيرة رمزية، حاولوا من خلالها أن يوصلوا رسالة، الليطاني لكل لبنان، وشريان الوطن، وتسميمه إمعان في قتل وموت اللبنانيين، وأمام الملوثين الذين لم يرتدعوا على الرغم من الإجراءات القانونية بحقهم من القيام بخطوات أساسية في التقليل من هذا الخطر الذي ترميه منشآتهم الصناعية والزراعية في النهر، لا بل حصلوا على قروض بملايين الدولارات وبدون فائدة، لإجراء إصلاحات في تكرير المياه، إلا أنهم لا يزالون يرمون مياه صرف معاملهم في النهر مباشرة، ودون أي معالجة تذكر، متسلحين بعلاقاتهم مع القوى المختلفة، للإستمرار بهذا النهج، واضعين على موائد اللبنانيين السموم، زارعين في أجسادهم الأمراض وخصوصا السرطان.

ولا نبالغ إذ نذكر أن هذه المواد التي تصبها المعامل والمصانع والمزارع والمنشآت المختلفة، موادا مسرطنة وقاتلة، كما ذكرت الأبحاث العديدة من مؤسسات علمية مختلفة، منها ما أوردته مصلحة الأبحاث الزراعية مؤخرا، حول محتوى المزروعات الورقية من بقدونس ونعنع وخس وغيره من المعادن الثقيلة من زئبق ورصاص وزرنيخ وكادميوم وغيرها، فضلا عن الملوثات من بكتيريا وسموم كيميائية وصناعية مختلفة، وهي الموجودة على طاولة كل مواطن وبصورة يومية، ما يؤكد مسعى مبادرة وعي، وكونها تمثل كل اللبنانيين، كونها في الوقت الحالي تدعو لدرء التلوث ليس عن الليطاني فقط، لكنها ستشكل نواة للدفاع عن كافة الأنهر والمجاري والمجمعات المائية في كل لبنان، وكل مصادر التلوث التي تهدد حياة اللبنانيين!

ليست هذه القضية بمعزل عن كافة القضايا البيئية الأخرى، فالتلوث دورة من الموبقات، فالكسارات والمرامل، بتفجيراتها ورميها الترسبات تصب مباشرة في الأنهر وفي بحيرة القرعون، فضلا عن الجزيئات الدقيقة التي تنشرها مع الرياح، ملوثة المزروعات ورئات البشر، كما أنها تستنفذ المياه الجوفية التي تغذي هذه المياه والتي تضمن تجدد المياه، وهذا يساهم بتقليل التلوث، وذلك إن تمت إجراءات بمنع المقالع والكسارات والمرامل من العمل، خصوصا وأن معظمها غير شرعية، لكنها بالمقابل متسلحة أيضا بالنافذين وعلاقاتهم، من الناحية الثانية، فقيام هذه المقالع بالتفجيرات المختلفة، تؤثر وفقا لمهندسين على بنيان السد، ومن جهة أخرى، فإن جرف الأشجار يستنفذ الأوكسجين بصورة كبيرة، ومع استنفاذ الأوكسجين من البحيرة والجو، يبقى ثاني أوكسيد الكربون والميثان وهما نوعين من الغازات السامة التي تتسبب بنفوق الكثير من الأحياء البحرية والبرية، وتتسبب بأضرار في الأجهزة التنفسية لدى البشر خصوصا الأطفال وكبار السن.

لذا فإن مبادرة وعي، بالتنسيق بين ناشطين وجمعيات ومواطنين والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، هي مقدمة لتحركات لاستعادة النهر من الملوثين، وتاليا لبنان من استباحوا أرضه وحولوها مرتعا للفساد والتلوث.







مقالات ذات صلة