ألمانيا تغلق آخر مناجم الفحم الأسود في أراضيها!
رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو
حبس ثمانية من عمال منجم دموعهم، وهم يستخرجون آخر قطعة فحم من عمق 3000 قدم من منجم "بروسبر هانييل" Prosper-Haniel في مدينة "بوتروب" Bottrop غرب ألمانيا، ويسلمونها لرئيس جمهورية ألمانيا فرانك والتر شتاينماير Frank-Walter Steinmeier، بحضور رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر Jean-Claude Juncker في مراسم رمزية يوم الجمعة 21 كانون الأول/ديسمبر لإعلان نهاية تنقيب الفحم في ألمانيا بعد أكثر من قرنين من الزمن.
نهاية عصر الفحم
ويمثل الاحتفال نهاية صناعة قطاع الفحم والصلب في منطقة الرور التي وضعت الأسس للثورة الصناعية في ألمانيا والانتعاش الاقتصادي بعد الحرب، فقد شكل هذا القطاع في القرن التاسع عشر، أسس القوة الصناعية والعسكرية للإمبراطورية الألمانية، ويرجع فضل انتعاش الجزء الغربي من البلاد بعد الحرب العالمية الثانية إلى حد كبير إلى القطاع المنجمي، كما كان قطاع الفحم الألماني نقطة الانطلاق في عام 1951 للدمج الاقتصادي بين دول أوروبا.
وفي كلمته، قال السيد شتاينماير لعمال المناجم: "إن جزءا من التاريخ الألماني قد وصل إلى نهايته هنا"، وأضاف: "بدون هذه المناجم، فإن بلدنا بأكمله وتطوره على مدى الـ 200 عام الماضية لم يكن وارداً".
وكان هذا المنجم بالإضافة إلى منجم آخر في مدينة "إبنبنبرين" Ibbenbüren على بعد ستين ميلا شمالا، آخر بقايا صناعة كانت تهيمن في السابق على المنطقة، حيث عمل نصف مليون شخص في ذروتها في الخمسينيات من القرن الماضي، وساعدوا في تزويد مصانع الصلب في منطقة وادي "الرور" Ruhr إلى أن فقد "الذهب الأسود" الألماني بريقه لصالح واردات الفحم الأجنبي الأقل ثمنا بكثير.
وقد دخلت صناعة الفحم الألماني لعقود، وبالتحديد منذ ستينيات القرن الماضي مرحلة احتضار، ونجت هذه المناجم فقط بفضل الإعانات السخية من الحكومة الألمانية ما حال دون الانهيار الكامل ، ولكن في عام 2007، اتخذ قرار سياسي بالتخلص التدريجي منها، ومع آخر مساعدة بقيمة مليار يورو عام 2017، قررت الحكومة عام 2017 وضع مهلة 11 عاما للتحضير للتحول الاجتماعي والاقتصادي لقطاعها المنجمي مع فقدان قدرته التنافسية، ووعد بالتقاعد المبكر أو إعادة تدريب العمال المتبقين لصالح مجالات أخرى من العمل.
أموال دعم
ووفقا لأرقام الحكومة ، تلقت صناعة استخراج الفحم في ألمانيا دعما ومساعدات بأكثر من 40 مليار يورو (46 مليار دولار) في صناديق فيدرالية منذ عام 1998، ومن المقرر أن تحصل على 2.7 مليار يورو حتى العام 2022، فضلا عن الحاجة إلى بعض الأموال لصيانة المناجم، وجهود تنظيف البيئة، والتي تشمل منع أجزاء من منطقة الرور من الإنزلاق ببطء ومع مرور الوقت، نتيجة أنفاق متعددة لا تعد ولا تحصى تحت سطح الأرض.
وقد تم إنفاق المزيد من المبالغ الداعمة لإعادة تطوير الاقتصاد في المنطقة، والتي شهدت نمواً في الجامعات ومرافق الأبحاث وشركات التكنولوجيا في السنوات الأخيرة.
وحث شتاينماير عمال المناجم وأحبائهم على التطلع إلى المستقبل، ولكن أيضا أن يفخروا بثقافة كرم الضيافة والانفتاح، فقد أصبحت منطقة الرور بوتقة انصهار في القرن التاسع عشر، حيث وصلت موجات متعاقبة من المهاجرين - من بولندا وإيطاليا وتركيا - بحثا عن عمل بأجر جيد في المناجم.
وينظر إلى نهاية التعدين العميق على أنه اختبار لإغلاق مخطط له للفحم الحجري المفتوح، أو "الليغنايت" Lignite أو الفحم البني، وهي نوع من المناجم لا تزال تعمل في ألمانيا، فلا يزال البلد ينتج ما يقرب من خمسي الكهرباء من حرق الفحم، وهو وضع أكد العلماء أنه لا يمكن أن يستمر إذا أرادت ألمانيا خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ويعتبر الليجنيت أكثر قذارة من الفحم الأسود ولكنه لا يزال رخيصاً نسبياً حتى في ألمانيا.
وستواجه أكثر من 400 منطقة تعدين للفحم حول العالم، ضغوطا مماثلة لإغلاقها في العقود المقبلة، وسط الجهود الدولية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
هواجس طاقوية!
ويخشى البعض في ألمانيا من أن مصادر الطاقة الأخرى، وهي مصادر متجددة بشكل أساسي، قد لا تكون كافية لتزويد دولة صناعية مثل ألمانيا بالطاقة الكافية، خصوصا وأن البلاد تخطط أيضا لإغلاق محطاتها النووية بحلول العام 2022.
ومن المقرر أن تقدم لجنة معينة من قبل الحكومة تقريرا في شباط/فبراير يحدد الاقتراحات بالتخلص التدريجي من مناجم الليغنايت.
وفي نهاية احتفال يوم الجمعة، قدم عمال المناجم تعازيهم لأهالي زملائهم الذين فُقِدوا تحت الأرض، وقد تم تسليط الضوء على مخاطر هذه المناجم، عندما تم سحق عامل يبلغ من العمر 29 عاما حتى الموت عن طريق باب معدني في منجم Ibbenbueren.
كما تناولت أنباء ليلة الجمعة الماضي عن وفاة 13 عاملا في انفجار في منجم فحم في جمهورية التشيك.
المصدر: نيويورك تايمز ووكالات.