هل "اليقسما" حلوى الشتاء الثلجية... ملوثة!

مشاركة


خاص اليسار

سوزان أبو سعيد ضو

ها هي العاصفة "ميريام" أو "ترايسي" وفقا لمصدر أخبار الطقس الذي يتابعه الشعب اللبناني، قد حطت رحالها على لبنان، وألبست مناطقه العالية بالثوب الأبيض من الثلوج.

والثلوج هو الكنز الذي تنتظره الأرض لتتشبع بالمياه الجوفية، فضلا عن الأشجار المثمرة في أعالي الجبال، والتي تعتمد في محصولها على مرورها بدرجات متدنية من الحرارة كالكرز والتفاح، كما دور موسم الثلج في القضاء على الآفات والحشرات وآثار إيجابية هامة أخرى.

وينتظر أهل الجبال الثلج، ليتناولوا حلواهم التقليدية الموسمية المصنوعة من الثلج والمعروفة بـ "اليقسما" وهي تشبه البوظة إلا أن ملمسها أخشن، والتي تتكون من عصير فواكه فصل الشتاء مثل الليمون أو البرتقال والبوصفير أو دبس الخروب أو يضاف إليها الحليب، مع السكر، وتضاف إليها ندف الثلج، وقد أخذت محلات القهوة والعصائر فكرة هذه الحلوى كبند على لوائحها، حيث يتم شرب الشاي والقهوة والعصائر مثلجة بعد إضافة الثلج المبروش، ولكنها تظل "صناعية" مقارنة بالحلوى الطبيعية التي يضاف إليها ثلج "السماء".

تشكل ندف الثلج

وتتشكل ندف الثلج حول نواة من الممكن أن تكون من الغبار أو الطين أو حتى جزيئات بيولوجية، مع المياه وأصبح من الممكن تكوين بلورات الثلج بطريقة اصطناعية، مع تعرضها لحرارة متدنية ورطوبة عالية، وعندما تتراكم تتسبب بسبب حجمها ووزنها المكتسب بهطولها على شكل ثلج، وأثارت عملية تراكم هذه البلورات وتكوّن أشكالها الجدل بين العلماء، وهناك تفسيرات عدة منها الجذب الكهربائي أو قوى ميكانيكية، وغيرها من النظريات.

وتحتوي كل ندفة ثلج على ⁹¹ 10 أو كوينتيليون quintillion جزيء من المياه، كما أن أشكالها الهندسية متنوعة، وتبلغ 121 شكلا هندسيا متميزا، بينها التي تشبه الصحون Plates، الأعمدة Columns، المتشعبات Dendrites، النجوم Stellars وغيرها.

هل تناول الثلج آمن؟

وفقًا لمصادر عدة لباحثين في مجال العلوم البيئية، يجب تجنب استهلاك أي نوع من الثلوج، نظرا لحقيقة أن الثلج يجمع جسيمات دقيقة توجد أساسا في أبخرة عوادم السيارات، أي أن الثلج بشكل أساسي يكون "منكها" بالمواد الكيميائية الضارة التي تحتويها أبخرة عوادم السيارات.

ويتكون الثلج من المياه كمكون أساسي، ولكن هناك أيضا أشياء مختلفة ومتنوعة تبعا للمكان الذي يأتي منه، ويشكل الثلج خلال عملية هبوطه وبسبب طبيعته البلورية المعقدة، نوعا من البالوعة Sink التي تلتقط الملوثات التي قد تكون موجودة في الغلاف الجوي، وأكثرها شيوعا الكربون الأسود black carbon، أو السخام soot، الذي ينتج عن المعامل العاملة على الفحم كما وقد يحتوي مواد كيميائية مثل الكبريتات sulphates والنترات nitrates، والفورمالديهايد formaldehyde والزئبق mercury.

وأظهرت دراسة من جامعة ماكغيل McGill University ومدرسة التكنولوجيا العليا في مونتريال نشرت في 4 نيسان/أبريل 2017، في مجلة Environmental Pollution إلى أن الثلوج المتراكمة في المناطق الحضرية تحتوي خليطا ساما من انبعاثات السيارات، وهي ملوثات تنطلق بدورها في البيئة مع ارتفاع درجة حرارة الطقس خصوصا في كندا (مكان إجراء الدراسة) وأنه وفقا للدراسة:"من المفضل عدم تناول أي كمية من الثلج ، لأنه يعمل كبالوعة (مخزن مائي) لجزيئات متناهية في الصغر موجودة في المقام الأول في أبخرة عوادم السيارات، لذلك فأي استهلاك للثلج وكأن المرء يتناول البوظة منكهة بالتلوث الناتج عن عوادم السيارات".

مواد خطرة

وقام الباحثون بدراسة الجسيمات المحمولة جوا والمكونات العضوية شبه المتطايرة التي تذوب في الثلج، ضمن نظام غرفة بيئية مبتكرة أطلق عليها اسم "غرفة الثلج" Snow Chamber في ظل ظروف بيئية باردة مشابهة للواقع، تحتوي على خليط من مجموعة متنوعة من أنواع الثلج الطبيعي مع مجموعة من الملوثات، التي توجد عادة في عوادم السيارات في المناطق الحضرية، جنبا إلى جنب مع الكربون العضوي، وتم قياس مستويات الملوثات السامة أيضا، بما في ذلك البنزين benzene والتولوين toluene، إيثيل بنزين ethylbenzene والزيلين xylenes داخل هذه الثلوج قبل وأثناء وبعد كل مرحلة من التجارب.

ووجد الباحثون انه بعد ساعة واحدة من التعرض لانبعاثات عوادم السيارات، فإن مستويات الملوثات داخل الثلوج زادت بشكل كبير، مع التقاط جزيئات الثلج الصغيرة داخل جيوب المياه الذائبة للجزيئات السامة، وهذا يعني أن الثلج هو "بالوعة" فعالة بشكل خاص للتلوث من عوادم السيارات، أما عما يحدث بعد ذوبان الثلج، فالمواد قد تبقى في الماء، أو تتطاير في الهواء وهو ما يحتاج لدراسات إضافية.

وقال يفغن نازارينكو Yevgen Nazarenko، وهو باحث ما بعد الدكتوراه يعمل مع البروفسور باريسا أ. أريا Parisa Ariya، وهو الأستاذ في قسم علوم الغلاف الجوي والمحيطات في جامعة ماكغيل، وقسم الكيمياء "وجدنا أن الثلج يمتص بعض الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات التي تعتبر ملوثات عضوية معروفة بأنها سامة ومسرطنة"، من جهته قال كبير مؤلفي الدراسة الجديدة، البروفيسور آريا: "إن فهم كيفية تفاعل هذه الملوثات مع البيئة، بما في ذلك الثلوج، أمر بالغ الأهمية إذا أردنا تقليل مئات الآلاف من الوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء والذي يعتبر معتدلا في أمريكا الشمالية".

كما وجدت الدراسة الجديدة أن الثلج يستهلك الجسيمات المحمولة جواً، ويغير تراكيز الجسيمات النانوية (المتناهية في الصغر) المختلفة، وهي أصغر الجسيمات الموجودة في تلوث الهواء، وقد تم ربط هذه الجسيمات الصغيرة بالعديد من المشاكل الصحية، ولكن بشكل غير متوقع، زادت درجات الحرارة الباردة والتفاعل مع الثلج من وجود الجزئيات النانوية النسبي في الهواء الملوث فوق الثلج.

كما وقد تخضع ملوثات الهواء لتحولات كيميائية تتكون نتيجة لذلك ملوثات إضافية ذات سمية مختلفة ومسرطنة، كما قد تتطاير بعض المركبات، بما في ذلك المواد الكيميائية السامة والمسرطنة، مرة أخرى في الهواء، في حين تتراكم أخرى في الثلج ويتم إطلاقها مع المياه الذائبة التي تغذي بدورها المياه الجارية والسطحية.

وتزيد نسبة التعرض لأمراض السرطان على مدى حياة المرء بنسبة 70 بالمئة، نتيجة التعرض للتلوث من عوادم السيارات في المناطق الحضرية، وأن المعلومات قليلة في ما يخص تأثير تدني درجات الحرارة الى ما دون الصفر، على نسبة تواجد وتأثر الجزيئات الموجودة في عوادم السيارات.

وعبر نازارينكو بقلق عن هذا الأمر" ويمكن أن يؤدي إنطلاق هذه المواد إلى تركيز أعلى على المدى القصير لبعض الملوثات في الهواء والتربة والمسطحات المائية السطحية حيث تتدفق المياه الذائبة".

ويستنتج الباحثون أن المزيد من الدراسات والرصد البيئي يمكن أن تساعد في تحديد أكثر الملوثات الضارة ، والتي ينبغي استهدافها للتخفيض في تركيبات البنزين وفي تحسين أداء المحركات وتقنيات معالجة العوادم سواء للمركبات أو المصانع.

 

 

 







مقالات ذات صلة