حتى لا يصبح نهر العاصي ليطاني ثانٍ... أهالي الهرمل يرفضون تكرار تجربة محطة الصرف الصحي في إيعات!

مشاركة


خاص اليسار

سوزان أبو سعيد ضو

ليس هناك أكثر صعوبة من نقل ألم الناس ووجعهم ومتاعبهم ومعاناتهم للرأي العام وللجهات المعنية في مقال واحد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمقدرات حياة منطقة بكاملها، فقد حول البعض هذه المعاناة إلى تجارة مربحة، فيما ينوء الناس تحت عبء إقتصادي ومعيشي، مع ما يلاقونه من تجاهل لمطالبهم خصوصا بعد الإنتخابات النيابية والبلدية، سواء من قبل النواب الذين انتخبوهم، أو البلديات واتحاداتها، وقد ظنوا أنهم سيدافعون عنهم، ليجدوهم في المقلب الآخر من السور، وفي هذا المجال نقصد سور محطة تكرير الصرف الصحي، الذي استحدثه اتحاد بلديات بعلبك والهرمل، ويتخوف المواطنون من أن تعيد تكرار مأساة محطة إيعات التي وثقناها بمقال تحت عنوان "برسم المعنيين...مياه محطة إيعات الآسنة تلوّث أراض في دير الأحمر وشليفا والكنيسة!"، وقد لوثت هذه المياه أراض زراعية خصبة منها مزروعة ومنها ما يجهز للزراعات المختلفة وبمساحة تقدر بمئات الآلاف من الدونمات، ولم يتحرك الإتحاد أو المعنيين منذ أكثر من عقد من الزمان وحتى الآن.

محطة الموت وسط سهل الهرمل

وفي جولة ميدانية للمنطقة، وبين سلسلتي جبال لبنان الشرقية تقع إحدى أخصب سهول لبنان، بدأناها ببلدة الكنيسة التي وصلت بحيرة المياة الآسنة إليها من محطة إيعات ودير الأحمر وسهل شليفا، وعلى بعد حوالي 8 كيلومترات (خط نار) من المحطة عبر مجرى مياه شتوي وفقا للمواطنين ووصلت قرب البيوت والمنازل والطرقات، ما ترك المنطقة بؤرة لتلوث مقيت.

في المحطة الثانية وصلنا إلى سهل الهرمل الذي يروى بمعظمه من الآبار الإرتوازية، وهذه الآبار سطحية، أي إن حفر المزارع 20 مترا، فسيجد المياه، وهذا ما يخيف المواطنون، كون المحطة المزمع إنشاءها واقعة في وسط السهل، وإن قدر أن يحصل فيها ما حصل بمحطة إيعات، فمن المتوقع أن تصل المياه الآسنة لتغمر السهل الذي تزخر أرضه بكافة المزروعات.

ثروات فريدة

وخلال الجولة الميدانية وفي مشهدية مألوفة، إنما فريدة من نوعها، وفي ظل الجبال التي لا زالت تحتفظ بالثلوج وصلت نبتات القمح والشعير لأكثر من 10 سنتمترات، وأزهرت نبتات الفول والبازيلا، بينما غطيت شتول البطيخ بالبلاستيك لتحميه من تغير الطقس، وفي الأفق تحيط أشجار الزيتون ترعى تحتها قطعان الماشية، وهي تنظف السهول من البقايا لتحضيرها للزراعة، إلا أن هذه الثروة الزراعية التي يعتاش منها معظم سكان المنطقة، ليست الثروة الوحيدة، فنهر العاصي بشلالاته وبحيراته وعصيانه للطبيعة يحيط بالمنطقة، ويمول مشاريع أسماك الترويت والسالمون فضلا عن السياحة المائية والمتنزهات المنتشرة والتي تزدهر خلال فصل الصيف، وليس هذا فحسب بل أن أراض شاسعة في المنطقة غير مزروعة، امتلأت بزهور البابونج وأعشاب طبية كثيرة، وتنوع بيولوجي مميز وفريد، والتي من الممكن استغلالها بمشاريع التنمية الريفية، إلا أن كل هذا يمكن أن يصبح من الماضي، وقد لا تبقى لدينا ولدى أهل المنطقة إلا الحسرات!

شهادات حية

وفي هذا المجال، قال ابن الهرمل الصيدلي غياث ناصر الدين: "لدي قطعة أرض قرب المكان الذي أحيط بسور والمزمع إنشاء هذه المحطة فيه، ولدى العديد من المزارعين أراض حولها، ويبعد نهر العاصي حوالي 800 متر عن المحطة، وهناك مبان سكنية على بعد أقل من 400 متر، وقد أشارت إحدى الوسائل الإعلامية إلى طمع منا لبيع أراضينا بأسعار باهظة، نحن لا نريد بيع أراضينا بل نهبها وبعملية بيع وشراء وبالسندات، لإنشاء جامعة لبنانية حكومية للأبحاث الزراعية أو مستشفى حديث يمكنه معالجتنا مما نعاني منه من الناحية الصحية ومن التلوث الذي ينوون إحداثه بهذه المحطة وقتلنا به وهو لا يلوث المياه السطحية فحسب بل الجوفية أيضا"، وتابع ناصر الدين: "كما أننا لا نصدق وعود اتحاد البلديات بالمتابعة وإيجاد الحلول، فهم لم يستطيعوا الحفاظ على الإنارة بالطاقة الشمسية، وقد نهبت بطارياتها كافة، فهل يمكننا أن نأتمنهم على إيجاد حلول إن حصل لهذه المحطة ما حل بمحطة إيعات، وغيرها من محطات التكرير الفاشلة ماثلة أمام أعيننا".

وقال: "توجهت مجموعة من الأهالي ومعنا سندات أراضينا إلى مكتب سعادة المحافظ بشير خضر والذي تجاوب معنا مشكورا، وعرضنا عليه التخلي عن الأراضي لاستحداث أي مشروع تنموي للمنطقة، فضلا عن مساوئ هذه المحطة باعتبارها مشروع تهجير وقطع أرزاق، وإرهاب بيئي بحق من دافع عن لبنان ضد التكفيريين، وقد تجاوب معنا وقام بإيقاف العمل بالمحطة"، وأشار إلى أن "الأرض ليست جرداء كما قال رئيس الإتحاد، بل إن المنطقة غنية بكافة المزروعات والثروات الطبيعية، كما شاهدتم في الجولة الميدانية، فضلا عن أن المياه تتسرب عبر بحيرة الحيرة نحو العاصي، فلا يمكننا تخيل محطة يصبح مصيرها كإيعات، تلوث أراضينا وتتدفق نحو العاصي، عبر بحيرة الحيرة والآبار الإرتوازية لتلوث مزارع الأسماك والمتنزهات التي يصل عددها إلى حوالي 200، وبالتالي تقضي على الزراعة والسياحة ومصادر رزق الناس، ولسنا ضد مبدأ المشروع، ولكن الموقع في كل مرة يكون في منطقة تؤدي في حال تسرب مياهها دون معالجة إلى اضرار كارثة وسواء كان في الموقع الأول في وادي الجوز، أو في الشواغير، أو هنا في منطقة حوش السيد علي، فهذه المناطق غير مقبولة، وهنا يأتي عتبنا على نواب المنطقة الذين وعدونا بعدم خسارة متر من أراضينا الخصبة، ليتراجعوا في أول تحد متمثل بهذا المشروع التهجيري".

وقد تعدى اتحاد البلديات أيضا على أراض خاصة تقدم أصحابها بشكاوى لدى قضاء العجالة منذ أشهر، ولم يتم البت فيها حتى الآن، وقال المزارع يوسف ناصر الدين: "تقدمت لدى قاضي العجالة بشكوى بحق القيمين على هذه المحطة، إذ تم "تصْوين" أرض أملكها ضمن المنطقة المزمع إنشاء المحطة فيها، كانت هذه الأرض مزروعة سابقا بالباذنجان، وهي مزروعة حاليا بالبازيلاء والفول".

يؤكد المزارع أبو عيسى علي حسن الهق على ما جاء على لسان الأهالي مؤكدا رفضه لهذا المشروع ولو تطلب الأمر المجابهة، وقال: "لا يكفينا الإهمال للمنطقة من ناحية الخدمات الطبية والإجتماعية والزراعية، ليحاولوا القضاء على لقمة عيشنا ومصادر رزقنا، ونظافة أراضينا ومحاصيلنا، وهي الباقية بعد تلوث معظم أراض البقاع نتيجة تلوث الليطاني".

وعلى مقربة من الساقية التي تم انشاءها إبان الوجود السوري في لبنان، (والذي يملك 80 بالمئة من نهر العاصي، ويملك الجانب اللبناني 20 بالمئة من ضمنها الآبار الإرتوازية) بهدف جر مياه العاصي إلى سد مستحدث قرب الحدود السورية، قال المزارع علي دندش لـ "إليسار نيوز": "لن نقبل بهذه المحطة، وسنصعد، وبيتي يعد من البيوت الأقرب إلى المحطة، ولن نسكت إن تم إنشاء هذه المحطة".

أما المزارع صبحي علي ناصر الدين والذي يملك 150 دونما فقال: "ثلاث مرات زرنا الإتحاد ضمن مجموعة من الأهالي، للمطالبة بدفتر الشروط والأثر البيئي، وهو ضمن حقوقنا كمواطنين في الحصول على المعلومات، وفي المرة الأخيرة وثقنا هذا الأمر بعريضة لدى القائمقام طلال قطايا للحصول على دفتر الشروط، وتقييم الأثر البيئي وحتى الآن لم يصلنا شيء، هذا الأمر يجعلنا نشك مصداقية كل ما يقوم به مجلس الإنماء والإعمار واتحاد البلديات والإتحاد الأوروبي، فلم تتم متابعة أي مشروع تنموي تم إنشائه، مثلا البراد الزراعي، ومعمل أعلاف السمك ،فكيف سيتابعون مشروع بهذه الضخامة، إذ تبلغ تكلفته 30 مليون دولار، ولكن ماذا سيحصل بعد البناء، وكيف التعامل مع تراكم الأوساخ الناجمة عن التكرير، وهل سيعاد تكرار الأثر المدمر للمحطات المختلفة التي أنشئت في لبنان والتي نعتبرها قنبلة موقوتة"

إجماع شعبي

هناك إجماع شعبي برفض هذه المحطة وفي هذا الموقع بالذات، وإن أكدوا على ضرورة إيجاد حل للجور الصحية، التي تم تهويل مشكلتها وفقا لهم، وعلى بناء محطة إنما في مكان مناسب لا تتسبب بأضرار على البيئة والطبيعة والأراضي الزراعية ومزارع الأسماك، وهو ما وثقناه بالفيديوهات والصور وهو أكبر دليل على ثراء هذه المنطقة الطبيعي، وللمرة الثالثة، ينجح الأهالي في وقف بناء محطة تكرير لمياه الصرف الصحي في سهل الهرمل عبر قرار من محافظ بعلبك ــــ الهرمل بشير خضر، وقد أثنوا على قرار المحافظ الذي أنصفهم أمام هذا المشروع الذي اعتبروه تهجيريا، وعلى الرغم من ذلك، تفاجئهم الأنباء بعد قرار المحافظة بيومين، بأن اتحاد بلديات بعلبك والهرمل يتابع سعيه بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي لاستحداث محطة التكرير المذكورة، وللمرة الثالثة أيضا، يحتج المواطنون على موقع هذا المعمل المزمع إنشائه في أحد أجمل وأخصب سهول لبنان ولعله الأقل تلوثا، فهل يتحول نهر العاصي إلى ليطاني ثان!

ملاحظة : الشكر للناشط البيئي حافظ الضيقة الذي ساعد فريق "إليسار نيوز" في الجولة الميدانية.

 

 

 







مقالات ذات صلة