أفريقيا تقود العالم في مقاطعة البلاستيك... ماذا عن لبنان؟
سوزان أبو سعيد ضو
ابتداء من الأول من حزيران/يونيو، على السياح القادمين إلى دولة تانزانيا، الإنتباه إلى ما سيحضرونه معهم في أمتعتهم، خصوصا بعد إعلانها المرحلة الثانية من حظر المنتجات البلاستيكية بتاريخ 16 أيار/مايو، ويُنصح الزوار إلى تانزانيا بتجنب التغليف أو حمل أي أكياس بلاستيكية حيث سيتعين عليهم تركها في مكتب مخصص في المطار.
حماية الشباب والبيئة
بدأت المرحلة الأولى من مبادرة حظر البلاستيك في تانزانيا في العام 2017 تحت شعار"حماية الشباب والبيئة"، مع فرض حظر مبدئي على تصنيع وتوزيع الأكياس البلاستيكية داخل البلاد، أما المرحلة الثانية فهي تمتد إلى السياح، وقال بيان صادر عن مكتب نائب الرئيس سامية سولوهوSamia Suluhu :"الحكومة لا تنوي أن يجد زوار تنزانيا إقامتهم غير سارة لأننا نفرض الحظر"، وأضاف البيان "ومع ذلك، تتوقع الحكومة أنه تقديراً لضرورة حماية البيئة والحفاظ على نظافة بلادنا وجمالها، سيتقبل زوارنا إزعاجات بسيطة ناتجة عن حظر الأكياس البلاستيكية".
وهناك استثناءات لهذه القاعدة وهي التعبئة للأغراض الطبية والصناعية والبناء والزراعية وإدارة النفايات، وكذلك بالنسبة للحقائب الصغيرة "ziploc" المستخدمة في حمل أدوات النظافة (طالما كانت هذه تغادر البلاد عندما يغادر الزوار)، ومع ذلك، تهدف تنزانيا إلى أن تكون خالية من الأكياس البلاستيكية ، وهي واحدة من 31 دولة أفريقية من أصل 54 دولة وبعضها من أفقر دول العالم، تحارب البلاستيك الذي يستخدم مرة واحدة بمثل هذا الحظر، وفقا لما وثقته لورا باركر في موقع "ناشونال جيوغرافيك" National Geographic العالمي.
أنظف وأكثر خضرة
أما في كينيا، فقد أدت الجهود المستمرة منذ العام 2017، إلى دولة "أنظف بشكل واضح"، كما كتبت باركر: "أصبح عدد الأكياس المتدلية من أغصان الأشجار أقل، وكذلك الأمر بالنسبة لكتل الأكياس التي كانت تسد شبكات الصرف الصحي وتكون البرك التي يتكاثر فيها البعوض الحامل لطفيل الملاريا".
بالمقابل، فالعقوبات المفروضة على تجاهل الحظر في كينيا هي الأشد في العالم، حيث يواجه المصنعون والمستوردون والموزعون والمستخدمون الذين يعثر لديهم على أكياس بلاستيكية على غرامات تصل قيمتها إلى 38000 دولار أو أربع سنوات في السجن، وقد واجه الحظر مقاومة ، كما أن التنفيذ مشكلة أيضًا - فهو متقطع ونوعي، مما يعني أن الأكياس البلاستيكية لا تزال متداولة على الرغم من العقوبات المحتملة، ومع ذلك، في بلد كان يستخدم ما يقرب من 100 مليون كيس بلاستيكي سنويًا، فوفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن جهود الخفض باتت ملحوظة ويبدو أنها فعالة.
من جهة ثانية، تهدف رواندا إلى أن تكون أول بلد خالٍ من البلاستيك في العالم، ويبدو أن الحظر الذي فرضته فعال للغاية، فقد أطلقت الأمم المتحدة على عاصمة البلاد، كيغالي، لقب "أنظف مدينة في القارة الأفريقية"، ويرجع ذلك جزئياً إلى الحظر الذي فرض عام 2008 على البلاستيك غير القابل للتحلل.
دراسة بيئية
وقد خلصت دراسة بيئية للأمم المتحدة هذا الشهر، إلى أن حظر الأكياس البلاستيكية يعمل وفعال بشكل خاص في الدول الإفريقية حيث يتم حرق النفايات في كثير من الأحيان. وفي الواقع، يتم حرق حوالي 40 بالمئة من النفايات في العالم، مما يسبب التلوث السام، ويؤدي حرق البلاستيك إلى إطلاق غازات سامة تهدد صحة النباتات والبشر والحيوانات، ولحظت الدراسة: "إن حرق النفايات البلاستيكية يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، ويؤدي إلى تفاقم الأمراض التنفسية مثل الربو وانتفاخ الرئة ويسبب الطفح الجلدي والغثيان والصداع ويدمر الجهاز العصبي".
لذلك فإن للتقليل من استخدام الأكياس البلاستيكية أثران: فهو يقلل من إنتاج النفايات، التي ينجرف الكثير منها وينتهي بها المطاف في محيطات العالم، مما يضر بالحياة البحرية، كما يقلل من تلوث الهواء الناجم عن حرق المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.
أمثلة سلبية
بالمقابل، وفي بعض الدول التي لا يوجد فيها مثل هذا الحظر، تشكل النفايات مشكلة كبيرة، وعلى سبيل المثال، فدولة غانا هي من الاقتصادات الأسرع نموًا في العالم، لكن الجهود المبذولة لجذب الاستثمار والسياحة تعطلت بسبب مشكلة إدارة النفايات التي تترك المدن الكبرى مثل أكرا تكافح مع أكوام النفايات القبيحة وغير الصحية، كتبت ستايسي نوتس لموقع "كوارتز" "يتم إعاقة مصارف مياه الصرف الصحي في أكرا باستمرار، هناك شكوى شائعة في المدينة، وهي أنه عندما ينظف الناس المصارف، توضع النفايات في كومة قريبة إلا أنها تجد طريقها في النهاية إلى المصارف، كما أن أكوام القمامة تبقى على زوايا الشوارع في المدينة، وتلتقطها الطيور، وبعد العواصف، تعود الزجاجات البلاستيكية مع المطر على طول الشواطئ".
حظر البلاستيك في العالم
في شهر آذار/مارس، أصدرت جمعية الأمم المتحدة للبيئة قرارًا بعنوان "معالجة تلوث المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد" Addressing single-use plastic products pollution، والذي يشجع الحكومات والقطاع الخاص على "تشجيع تصميم وإنتاج وإنتاج واستخدام وإدارة المواد البلاستيكية بطريقة أكثر كفاءة في استخدام الموارد" وحث القرار الدول الأعضاء على "اتخاذ إجراءات شاملة، فيما يتعلق بالمنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وعند الاقتضاء، معالجة النفايات من خلال التشريعات، وتنفيذ الاتفاقات الدولية، وتوفير البنية التحتية المناسبة لإدارة النفايات، وتحسين ممارسات إدارة النفايات ودعم تقليل النفايات إلى الحد الأدنى. "
ويبدو أن الحكومات تستمع وبعضها بدأ بالتنفيذ، فقد أصبحت بنغلادش في العام 2002، أول دولة في العالم تحظر الأكياس البلاستيكية الرقيقة، التي سدت نظام الصرف الصحي أثناء الفيضانات المدمرة، بعد ذلك، تبعتها كل من جنوب إفريقيا ورواندا والصين وأستراليا وإيطاليا، والآن، في كافة أنحاء العالم، تم فرض مجموعة متنوعة من عمليات الحظر على مختلف المستويات الحكومية، وتم العمل على تخفيف استخدام القش البلاستيكي والسكاكين والحقائب البلاستيكية والمزيد من المنتجات البلاستيكية.
من جهة ثانية، اتخذ برلمان الاتحاد الأوروبي خطوات لحظر المواد البلاستيكية (paywall) ، بما في ذلك الحقائب والقش واللوحات والسكاكين وأعواد القطن بحلول عام 2021، وفي الولايات المتحدة الأميركية في الشهر الماضي، أصبحت نيويورك ثاني ولاية بعد كاليفورنيا تحظر الأكياس البلاستيكية، كما يوجد في هاواي حظر فعلي على الأكياس البلاستيكية لأن البلديات اختارت جميعًا حظرها محليًا.
في لبنان
نذكر في لبنان مبادرات بدأتها بلديتي جبيل وبيت مري، حيث نجحت بلدية جبيل في منع المحال والمؤسسات التجارية من استعمال الأكياس البلاستيكية واستبدالها بأخرى بيئية، كما أصدرت كتاباً جديداً موجها لجميع أصحاب الملاهي والمقاهي والمطاعم والسناكات في المدينة، يطلب استبدال الأكواب البلاستيكية بأخرى مصنوعة من زجاج او كرتون، واستبدال قصبة الشرب البلاستيكية (straw) بقصبة مصنوعة من كرتون.
من جهة ثانية، فقد بدأت بلدية بيت مري بمعالجة متكاملة للنفايات منذ العام 2016، حيث استحدث معمل للفرز والتدوير وتحويل البقايا العضوية إلى سماد، لكن ابتداء من أول أيار/مايو، أطلقت بلدية بيت مري جملة "لا لأكياس البلاستيك"، تستهدف الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية في المتاجر المحلية، واللجوء إلى أكياس قابلة لإعادة الاستعمال، حيث وزعت البلدية حقائب قماش على المتاجر وتعطى مجانا مقابل مشتريات بقيمة 50 ألف ليرة لبنانية، فضلا عن وضع سعر لكل كيس بلاستيك بقيمة 250 ليرة لبنانية، لتصنيع الأكياس القابلة للإستعمال، و بهدف تنمية الوعي حول الحاجة إلى استعمال مواد قابلة لإعادة الاستخدام بدلا من البلاستيكية بغية الحفاظ على البيئة.
ونأمل من موقعنا "إليسار نيوز" أن تمتد هذه المبادرات في المناطق كافة، وأن يتجه المواطنون إلى استعمال بدائل قابلة لإعادة الإستعمال، والقيام بخيارات بيئية في حياتهم اليومية، تساهم في استدامة الموارد والتخفيف من التلوث خصوصا بالأكياس البلاستيكية.
المصادر: World Economic Forum، Quartz، Elissar News ووكالات