عاليه من عاصمة ثقافية وسياحية وبيئية في الجبل إلى مسرح مجزرة بحق الكلاب الشاردة!

مشاركة


خاص اليسار

 

سوزان أبو سعيد ضو

كنا نأمل في باكورة مقالاتنا في موقعنا "إليسار نيوز"،عن بلدية عاليه، أن تكون تحت عنوان "محطات سياحية"، لأن عاصمة الجبل الإقتصادية للقرى والبلدات المحيطة تستحق، بكونها عروس المصايف ومركزا ثقافيا وسياحيا وتجاريا، فضلا عن المهرجانات الفنية والمعارض المتنوعة، وما تستقطبه عاليه من سياح وزوار من لبنان وكافة المناطق، نعم عاليه تستحق الكثير، أقله الإضاءة على إنجازاتها في هذا المجال، وإذ نفاجأ عشية مساء السبت 24 آب/أغسطس، بأنها كانت مسرحا لمجزرة بشعة تمثلت بتسميم كلاب شاردة عبر وضع قطع من اللحم ومياه ملوثة بمادة "اللانيت" الشديدة السمية والخطيرة والمحظورة، وبالتحديد في منطقة الكتانة الحرجية في عاليه.

ولمن لا يعرف منطقة الكتانة، فهي من المناطق الأجمل في مدينة عاليه، وفي مركزها تحفة فنية للفنان السويسري ايتيان كراهنبول واسمها "أزهار الشر"، وقد أعاد تدوير شظايا الحرب إلى مجسم رائع تفاعلي مع حرارة الطقس، لسنابل قمح تذبل مع الحرارة المرتفعة لتعود وترتفع شامخة مع برودة الطقس، وكأيقونة سلام أكد فيها أن "الجمال يخرج من الشر"، فضلا عن كونها رسالة بيئية هامة في أزمة النفايات في وقتنا الحاضر، وكانت بلدية عاليه رائدة فيها، ومنطقة الكتانة قبلة لرواد هذه المنطقة من أهل المدينة والجوار، حيث يقصدونها عموما خلال عطلة نهاية الأسبوع للاستجمام في الهواء الطلق والنقي، الذي تتميز به منطقة الكتانة على وجه خاص حيث توجد فيها مناطق حرجية كبيرة، وقد بنيت فيها المنازل متباعدة ضمن تصنيف عقاري مميز، يسمح بمساحات خضراء كبيرة بين الوحدات السكنية.

لم يدخر المجلس البلدي برئاسة وجدي مراد (مع حفظ الألقاب) جهدا من أجل تحويل المنطقة المنكوبة بعد الحرب إلى قبلة إقتصادية وفنية وثقافية وسياحية ليس للمواطنين وأهل عاليه فحسب بل للأخوة العرب والأجانب، فأقام المعارض الإقتصادية والفنية، وحوّل سيمبوزيوم عاليه للنحت في منطقة رأس الجبل لمتحف في الهواء الطلق لتماثيل لفنانين من كل أقطار العالم، وتحول السوق التجاري ومقاهيه ومحاله وبنوكه إلى منطقة لا تهدأ وسط زحمة إيجابية لأهل الجبل ككل وكمركز تجاري وعلمي وثقافي وفني وسياحي يقصدونه للتسوق وقضاء مهامهم.

وبالعودة إلى الحادثة النكراء، فقد بادر بعض الأشخاص على مواقع التواصل الإجتماعي للتحريض ضد كلاب شاردة، داوم الناشطون على إطعامها في منطقة الكتانة ومناطق عدة من مدينة عاليه، فألفتهم، وأصبحت تقترب من الناس ولا تخاف منهم، واعتقد البعض بأنها تقترب منهم لتهاجمهم، وطالبوا البلدية بالتدخل والتخلص منها، وقد وصلوا إلى حد التهديد بحل هذه المشكلة بطرقهم الخاصة كالتسميم وإطلاق النار، وبالفعل فقد قام مجهولون يوم السبت بتسميم حوالي سبعة كلاب ومنها جراء، ولم يتمكن الطبيب البيطري في البلدية الدكتور شادي رضوان من إنقاذها.

وكان الناشطون قد تابعوا الأمر مع البلدية بخصوص تهديدات تصلهم حول هذه الكلاب، في محاولة لحل المشكلة وقبل أن يقوم أحد الأشخاص بما توقعوه وقد حصل، وتم تحضير ندوة في هذا المجال في جامعة MUBS حول البيئة والرفق بالحيوانات، وبمشاركة ناشطين، إلا أن الوقت لم يسعفهم للإجتماع مع البلدية والتعاون، أسوة ببلديات أخرى مثل بلدية الدكوانة شرق بيروت، إذ بادرت الدكوانة إلى خطة متكاملة للتعامل مع الكلاب الشاردة، وبالتعاون مع ناشطين وأطباء بيطريين ووزارة الزراعة، باعتماد الطريقة العالمية المتبعة أي TNR، (وكما هو حاصل حاليا في تركيا) أي Trap الإمساك بهذه الحيوانات وإعطائها اللقاحات والعلاجات والتأكد من خلوها من الحشرات والأمراض، ثم يعمد إلى تعقيمها Neuter، ثم إعادة إطلاقها في محيطها Release.
لكن وأمام ما حصل، فقد تداعى ناشطون لتقديم شكوى ضد مجهول، ولكل من يظهره التحقيق متورطا في هذه الجريمة بحق هذه الحيوانات، كما سنضع المقال والمعلومات والصور الظاهرة فيه بتصرف قوى الأمن الداخلي، وطالبوا البلدية بالرقابة على مادة اللانيت الخطرة والسامة والمحظورة عالميا ومنع تداولها، وتحذير مربي الكلاب من التمشي مع كلابهم في المنطقة ما قد يعرضها للتسمم، وضرورة اتباع الحل الجذري والشامل الذي يرضي الجميع، أي TNR كما سبق وذكرنا، وبهذه الطريقة فإن أعدادها لن تزداد، فهذه العملية تساهم بالتخفيف إلى حد كبير من عدوانيتها، وتستمر بالقيام بواجباتها نحو بيئتها لجهة حماية المنطقة التي تقيم فيها من حيوانات دخيلة، كما أعربوا عن استعدادهم بالتعاون للقيام بخطة مماثلة وشاملة لما قام به الناشطون في بلدية الدكوانة ضمن نطاق عاليه وبالتنسيق مع المجلس البلدي ووزارة الزراعة

لا بد في هذا المجال من التذكير بأن قانون حماية الحيوانات والرفق بها الذي وقعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولا سيما البند 12 منه، يقضي بوجوب إيجاد البلديات خطة للتعامل مع الكلاب الشاردة في محيطها، بناء على توجيهات وزارة الزراعة، وأن تعمل على تنفيذها مباشرة أو بالتعاقد مع جهات مختصة ومنها جمعيات وأفراد لديها منشآت خاصة.

وقد أصبح عدد الحيوانات الشاردة في لبنان كبيرا للغاية وذلك لعدة أسباب، فبعد مجزرة الغبيري، أخذت بعض البلديات بالإمساك بالكلاب الشاردة في محيطها، والتخلص منها في مناطق وبلدات أخرى، حتى لا يحصل تسميم في نطاقها، وقد رصد ناشطون وفي عدة مناطق هذا الأمر، كما أن هناك من يعملوا على تكاثر هذه الحيوانات، وما لا يباع منها يتم إلقائه في الطرق لتلاقي مصيرها وتتكاثر بوتيرة كبيرة مع انتشار مكبات النفايات وما تحتويه من فضلات تتغذى عليها، كما أن عملية شراء هذه الحيوانات تتم بدون أي رابط بينها وبين من يقتنيها، أي أنها تباع كأي سلعة، ويبادر الكثير إلى التخلص منها في الطرقات، وقد لوحظ أن أعلى فترات إلقاء هذه الحيوانات هو خلال الأعياد مثل رأس السنة وغيرها، ما يؤكد ضرورة إلزام محال بيع الحيوانات بسجلات مع بطاقة ذكية توضع في جسد الحيوان ليعرف صاحبه، وهو أمر نص عليه قانون حماية الحيوانات والرفق بها.
وبالعودة إلى المنحوتة ورمزيتها، فإن "الجمال يخرج من الشر" والجريمة التي حصلت على مسافة أمتار قليلة من هذه المنحوتة، تدغعنا للتساؤل: هل يخرج الخير من هذه الحادثة الأليمة الأخيرة في هذه المدينة، وتكون الخطوة القادمة لتحويل هذه الطاقة السلبية والشر الخالص إلى طاقة إيجابية وجمال، والتوصل إلى حل جذري ورحيم لظاهرة الكلاب والقطط الشاردة؟

 

 







مقالات ذات صلة