اعتقال قاصرين وشابين في حمانا... بالتفاصيل والوقائع!
سوزان أبو سعيد ضو
ما شهدته بلدة حمانا (المتن الأعلى) ليل أمس وفجر اليوم من اعتصام وتحركات واتصالات شغلت اللبنانيين، ناشطين ومواطنين ومحامين، مرده إلى أن قصَّراً تطاولوا على لافتة لـ "التيار الوطني الحر" من جانب واحد من الطريق، لكن هذا الـ "فعل الجرمي" الموثق بالفيديو، لم يرق للشرطة البلدية، وقد صنف بعضهم الحادثة في خانة "ارتكاب الكبائر"، فما لجأوا لذويهم ولا اتصلوا بأي منهم، فجرى تحويلهم إلى البلدية، ولم تشفع لهم أعمارهم ولا أن ثمة بينهم اثنان يعانيان وضعا صحيا وأحدهم خضع منذ فترة قصيرة لعملية جراحية في الرأس والثاني يعاني صعوبة في التعلم وحاصل على بطاقة من وزارة الشؤون الاجتماعية، فأقر الرأي على تسليمهم لمخابرات الجيش اللبناني، وكأن لا مخفر لقوى الأمن الداخلي في البلدة.
نزار غزال (12 عاما)، إيوان حاطوم (15 عاما)، أمير الأعور (15 عاما)، رماح الحامد (18 عاما) وشحادة غزال (19 عاما)، ما كان لأحد أن يعلم أنهم محتجزون إلا عن طريق الصدفة من شخص على صلة بمخابرات الجيش، حتى بلدية حمانا لم تتصرف على قاعدة أن الكل أبناء منطقة واحدة، وبالإمكان تدارك الأمر بالاتصال مع عائلات الأولاد، وليس ثمة من يعلم ما المقصود من "تكبير" الأمر ولمصلحة من؟ خصوصا وأن من يستعرض الوقائع يظن أنه إزاء مسلسل بوليسي ولكن ممجوج وعصي على الهضم.
شبعنا جوع شبعنا ذل
وعاش المتن الأعلى لحظات سادها الحذر والقلق، بعد أن تطور الأمر إلى الاعتصام أمام مخفر حمانا ليلا، وأطلق المواطنون هتاف "ثورة ثورة"، و"شبعنا جوع شبعنا ذل... " وشعارات أخرى، وبدأت الأحداث تتطور تباعا، فحضر محامون من قبل الحراك وآخرون متطوعون، فيما ترددت أخبار كثيرة تبين أنها لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ما اضطرنا للاتصال بمن تابعوا الأمر على الأرض، من بعض المحامين والناشطين وذوي الموقوفين.
بيان قيادة الجيش
وفي هذا المجال، أصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه بياناً جاء فيه: "تداولت بعض وسائل الإعلام تداولت خبراً عن توقيف مديرية المخابرات عدداً من الفتية القصر في بلدة حمانا بسبب قيامهم بتمزيق صور فخامة رئيس الجمهورية".
وتابع البيان: "إن مديرية المخابرات لم توقف هؤلاء، بل تسلمتهم من بلدية حمانا بعدما أوقفتهم شرطتها التي كانت تقوم بدوريات مكثّفة بعد سلسلة حوادث شهدتها المنطقة وقيام مجهولين بإحراق مبنى أوجيرو، ومحاولة إحراق مركز التيار الوطني الحر".
ولفت البيان إلى أن "التزاماً بالتعليمات فإن مديرية المخابرات قامت بتسليم هؤلاء الفتية وهم (ن.غ) 12 عاماً، (أ.ح) 15 عاماً، (أ.أ) 15 عاماً، (ش.غ) 19 عاماً، والسوري (ر.أ) 18 عاماً، إلى الشرطة العسكرية التي سلّمتهم بدورها إلى قوى الأمن الداخلي استناداً لإشارة القضاء المختص".
ناشطون
وفي هذا السياق، تساءل الناشط رياض أبو فخر الدين: هناك أسئلة مشروعة، ما هي الأسباب وراء توقيف قاصرين؟ فهل هذا امر طبيعي؟ وما هي الحالة التي وصل اليها القضاء في لبنان؟ ولماذا تأخر المعتقلون الى هذه الساعة المتأخرة من الليل لطفل بعمر 12 عاما؟ وما هي الاجراءات او التحقيقات التي يمكن ان تكون مع أولاد بهذه الاعمار؟".
وأضاف: "أتساءل، كيف ممكن لمن أحرقوا مجسم الثورة وتعدوا على المتظاهرين السلميين ان يكونوا أحرارا طليقين بينما يتم توقيف قاصرين لمجرد إسقاطهم لافتة".
غزال: عتبي على البلدية
وقالت ليال غزال (شقيقة أحد الموقوفين) التي اتصلت بقناة "الجديد" لـ "إليسار نيوز": "القصة كلها (لعب ولاد) فالشباب يرتادون ملعب ثانوية حمانا الرسمية للعب كرة القدم في اوقات فراغهم، ولا سيما يوم السبت، وأثناء خروجهم من الملعب، حصل تحد لمن يستطيع إنزال اللافتة، ومركز التيار الوطني الحر الى يسار الثانوية، ولم يكونوا حتى يعرفون أنه مركز للتيار، وهذا ما حصل".
وأضافت: "كمنت لهم سيارة وتم القبض على ثلاثة منهم بالبداية، ثم تمكنوا من القبض على الإثنين الآخرين، ونقلوا بعدها إلى مركز البلدية حيث مكثوا حوالي ساعة".
وأشارت إلى أنها لم تعلم بوجودهم "إلا بعد أن اتصل بي أحد الجيران، وهو على تواصل مع مخابرات الجيش وطمأنني أن الشباب سيخرجون، ولم نكن نعلم أي شيء عن الموضوع"، لافتة إلى أنه "تم تحويلهم إلى مخابرات الجيش في بلدة بمريم ومن ثم إلى مخفر حمانا حوالي الساعة 11 ليلا".
وقالت غزال: "عتبي على البلدية، وأعضاؤها يعرفون الأولاد وأهاليهم، وعلمنا أن الهدف تحويلهم إلى بعبدا، وكما تعلمون لا يتم تحويل أي محتجز يوم السبت، لو اتصلوا بنا لما قمنا بتكبير الموضوع، وقد بادرت للإتصال بـ (الجديد) خوفا على أخي شحادة، الذي يتعافى من عملية لإزالة ضغط المياه عن رأسه وقد أجراها له الطبيب عمر الأعور في مستشفى عين وزين، وأي ضربة أو صفعة قد تعرض حياته للخطر".
وحيت غزال "شباب الثورة والإعلام والناشطين الذين ساهمموا في تحرير الشباب وبينهم ثلاثة في مدرسة جمعية ثمارنا للتعليم الخاص، وقد حضر الطبيب الشرعي للكشف على إيوان الذي يعاني من (كهرباء بالرأس) ولديه بطاقة معوق، وقد تعرض الشباب لاستجواب 4 مرات، وحاليا وضعهم النفسي أفضل، وللأمانة، لم يتم التعرض لهم وتعنيفهم، بل سألوهم إن كانوا جائعين وقدموا لهم بعض الطعام".
مونس: أمر مستهجن
وقالت الناشطة المستقلة المحامية زينة مونس لـ "إليسار نيوز": وصلني الخبر مثل كل الناس عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ولم تتواصل معي أي جهة سياسية، =وتصرفت من تلقاء نفسي، وهي رسالة المحامي بالدفاع عن أي شخص يشعر أنه بحاجة لمساعدة، وأنا من قرية الشبانية المجاورة لحمانا، وأعلم طبيعة أهل المنطقة، وتوجهت مباشرة إلى مخفر حمانا، وتفاجأت بوجود 3 قاصرين وشابين بالغين 18 و19، ولكن القاصرين يبدون أطفالا، على الرغم من أن عمر أصغرهم 12 سنة، ونبقى جميعا تحت سقف القانون، ولكن أن يتوقف طفل من قبل بلدية قريته، وبهذا الأسلوب فهو أمر مستهجن، فكلنا كنا أطفالا أشقياء نقوم بأعمال لا نفكر بنتائجها للأسف".
وتابعت: "برأيي الشخصي كان على البلدية تدارك الموضوع، والتواصل مع الأهالي، وحلها على الفور، فالأطفال من عائلات متواضعة ولا أظنهم حزبيين، وحتى لو كانوا، فما حدث كان يمكن أن يحل دون استدعاء مخابرات الجيش التي لا يمكنها الإحتفاظ بموقوفين لديها واتصلت بمخفر حمانا لتسلم الشباب".
وأردفت مونس: "اتصل المخفر بالمدعي العام وبدأت بالإجراءات القانونية وأخذ الإفادات، وهي اجراءات تحصل في مثل هذه الحالات، وقد وصلت بعد مخابرة المدعي العام، فكان لا بد من أن تأخذ الخطوات التالية وقتها، فقد تم التدقيق بالإفادات، من اسمرينا الاعور (ممثلة لجنة المحامين المتطوعين للدفاع عن المتظاهرين)، والمحامي جمال مكارم من "الحزب التقدمي الإشتراكي" وهو قد تم تكليفه من قبل النائب أبو الحسن وقمت بتدقيق الإفادات بنفسي أيضا، وهذا ما جعل الإجراءات تطول، كما كنا نحاول طمأنة الأهالي وتهدئتهم كل الوقت، وقد تم استدعاء دورية من الجيش من قبل المخفر للحفاظ على الأمن كون المواطنين كانوا بحالة استنفار، كما طلب أحد الآباء أن يتم توقيفه بدلا من ابنه، كون لديه حالة خاصة، وكما أننا لم نقبل أن يوقعوا على الإفادات إلا قبل التدقيق بها قانونيا، وتم إطلاق سراحهم حوالي الثالثة صباحا".
وأشارت إلى أن "عناصر المخفر قاموا بواجبهم على أكمل وجه، كما أن أعضاء مركز التيار الوطني الحر لم يدعوا على الشباب، خصوصا أنه لم يتم تمزيق صور فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كما أشيع بل تم إسقاط االلافتة فقط".
وختمت مونس: تداعيات مثل هذه الأمور كارثية، وعلى الجميع التحلي بالوعي، وعدم اللجوء للإستفزاز، وحاليا جميع الموقوفين في بيوتهم، إلا أنهم سيبقون رهن التحقيق حتى استكمال كافة الإجراءات القانونية".