رأي قانوني: ما أسباب المواجهة بين النائب هادي حبيش والقاضية غادة عون؟

مشاركة


لبنان اليوم

 

"إليسار نيوز" Elissar News

شهدنا مؤخرا "مناوشات" بين القضاة في المراكز المختلفة في الجسم القضائي في الدولة، وهناك أمثلة عدة، خصوصا ما يطاول المتظاهرين وبالمقابل التساهل مع المعتدين عليهم، ومنها ما حصل منذ يومين مع القاضية غادة عون والمعتقلين الأربعة، وآخرها ما حصل بالأمس بين القاضية عون بصفتها المدعية العامة في جبل لبنان، والنائب هادي حبيش بعد إصدار القاضية قرارا قضى بتوقيف المديرة العامة لهيئة إدارة السير، هدى سلوم، وما تبع ذلك من رد فعل عنيف للنائب المحامي هادي حبيش، بالإعتصام احتجاجا على هذا القرار.

وعملا بالموضوعية، ووقوفنا إلى جانب الحقيقة، وفي مناقشة مع بعض القانونيين (فضلوا عدم ذكر أسمائهم)، ارتأينا في "إليسار نيوز" إبراز أهم ما حصل في هذا النقاش.

بداية، لم يختلف أحد على أنه لا بد من وجود مسوغ قانوني لهذا القرار، خصوصا ما حصل في قصر عدل بعبدا بالإضافة إلى بعض الأسئلة المشروعة، لماذا تم فتح الملف على مصراعيه الآن؟ وهل هناك مدلولات أخرى على هذا الأمر؟ وهل هناك "ملف سياسي" كما قال النائب حبيش؟ وهل هناك صحة للمعلومات المتناقلة عن إن توقيف مديرة النافعة هدى سلوم بجرائم التزوير والرشوة ليس لمحاربة الفساد إنما لإستبدالها بهشام كنج رئيس الهيئة التنفيذية للتيار الوطني الحر في المتن؟ أما السؤال الأهم: هل ما حصل هو فعلا، أمر إصلاحي، بهدف القضاء على الفساد، أم أنه، صراع ووسيلة ضغط بين أجنحة السلطة طمعا بمكاسب سياسية وغيرها؟

 

وفي خلاصة النقاش، فلا شك، بأن هناك مناكفات على مستوى المنظومة السياسية، تتمظهر هنا وهناك، بحرب على مصالح، تتناقل بين تناتش للحصص، وبين ما شهدناه من توقيف مدير عام فضلا عن ملفات ستكشف هنا وهناك.

وفي هذا المجال، فإن موضوع القضاء دقيق جدا وبحاجة إلى دراسة معمقة قبل أخذ أي موقف خصوصا في هذه الأيام الصعبة من تاريخ لبنان.

وبالعودة للتاريخ، فإنه في 3 آب/أغسطس 2001، صدر قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتحت ضغط سياسي مترابط، وبصراع داخل الأجنحة في السلطة، وتحديدا بين رئيس الجمهورية إميل لحود ورئيس الوزراء آنذاك الشهيد رفيق الحريري، بالإضافة إلى تدخل السوريين وسيطرتهم على الدولة ومقدراتها في ذلك الوقت، وبعد أسبوعين تمت بعض التعديلات على القانون، ولا سيما أصول المحاكمات الجزائية، وهذه من التجارب القليلة في العالم أجمع، أن يصدر قانون ويتم الإقتناع به من قبل النواب، وأن يتم تعديله بعد ذلك بأسبوعين، وهذا القانون حساس جدا ويرتبط بالحقوق، ومن هنا، فإنه وفقا لمجموعة القانونيين، فإنه عندما تتفق أركان السلطة، فهذا البلد مصيره الفقر والإنهيار، وعندما تختلف جماعة المحاصصة، وتختلف على تناتش المصالح، يصبح هناك متاريس طائفية، وللأسف في بعض الأوقات يكون القانون وسيلة لحمايتهم، فضلا عن نيلهم من بعضهم البعض.

ومن هذا المنطلق، فإن موضوع تناقض الصلاحيات بين المدعي العام التمييزي وبين باقي المدعين العام، يعود إلى خلل في قانون أصول المحاكمات الجزائية، فالصراع على الصلاحيات بينهم ذو بعد سياسي وطائفي، وهو جزء من صراع احزاب السلطة على الحصص وتقاسم النفوذ، هناك اقتناع عام، في أوساط الحراك الشعبي ككل، والقانونيين منهم خصوصا، بفقدان الثقة بكل مكونات السلطة السياسية والإقتصادية في البلاد، بالإضافة إلى شراكة أحزاب السلطة في تدمير الوطن، وليس المواطنين (أو معظمهم) طرفا في خلافاتهم ومحاولتهم كالعادة لشد العصب الطائفي، نعم الشعب اللبناني متضرر من خلافاتهم وصراعهم على تقاسم النفوذ، ولكنهم يعودون لاستخدام وسائلهم لشرذمة الناس.

ولا يمكن أن يكون الحراك الشعبي في موقع الوقوف مع طرف ضد الطرف الآخر، خصوصا بموضوع صراع الأجنحة داخل السلطة بأكملها، ولم يعد الكثيرون يرضخون لألعاب "التحميس" كما يحاولون مع بعض الأشخاص، أي في صراع النفوذ بين الأشخاص في الطبقة السياسية، أينما كانت ومن أي فريق،  بل إن الفكرة السائدة هي تغيير السلطة السياسية بكاملها.

ومن هنا، فقد قامت بعض وسائل الإعلام بزج اسم الحراك المدني كمرافقين للنائب هادي حبيش في تهجمه على القاضية عون، وهي محاولة لها شقين، زج إسم الحراك واستغلاله في صراع الأجنحة كما سبق وذكرنا، ومحاولة لركوب موجة الحراك للوصول إلى الهدف، في تجسيد لمقولة "الغاية تبرر الوسيلة، وهو أمر لم يعد يخفى على أي من الموجودين في الشارع، ومن يتبنون مقولة تبديل هذا النظام الفاسد بأكمله.

وختاما، فلا يمكن اهمال أمرين نتجا عما حصل في بعبدا، من جهة، بيان مجلس القضاء الأعلى في اجتماعه الإستثنائي ودعوته مجلس النواب ونقابتي المحامين الى اتخاذ الموقف المناسب تجاه ما حصل مع النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون من قبل النائب هادي حبيش، ومطالبة النائب العام التمييزي غسان عويدات اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لملاحقة النائب المحامي المعني، ومن جهة ثانية، أحالة مجلس القضاء الأعلى خلال اجتماعه الطارئ برئاسة القاضي سهيل عبود، النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على هيئة التفتيش القضائي، على خلفية تصريح إعلامي أدلت به من دون إذن مسبق حسب الاجراءات المرعية، كما ووفقا للقانونيين، أن القاضية عون كان من المفترض أن تتوجه بداية إلى رئيس المديرة العامة المباشر، وهي في هذه الحالة وزيرة الداخلية ريا الحسن، قبل أن تقوم بقرار توقيف مديرة عام هيئة السير هدى سلوم، أي أنها لم تراع التراتبية، وقد يكون هذا الأمر سببا إضافيا لإحالة عون إلى التفتيش القضائي.

 

 







مقالات ذات صلة