سعد الحريري والفرصة الضائعة!

مشاركة


لبنان اليوم

*بسام سامي ضو

‎ شكلت الخطوة (غير المفاجئة) التي اتخذها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتقديمه استقالة حكومته في 29 نوفمبر الماضي ما يمكن من جهةٍ وصفه بأنّه أوّل انتصارٍ (والأمل ألا يكون الأخير) يحقّقه "ثوار لبنان" الذين أعلنوا انتفاضةً مستمرة ولو بوتيرةٍ وأساليب مختلفة حتى إسقاط أركان النظام السياسي في لبنان "كلن يعني كلن"، ومن جهةٍ أخرى وضعت الحريري في موقع رجل الدولة المسؤول- أقلّه في الاستجابة في التوقيت والشكل لمطالب الناس وصرختهم المدوّية- ولاسيما مع إعلانه "الورقة الإصلاحية" التي تضمّنت خطواتٍ يمكن لها أن تؤسس لبداية إصلاح، لو أُخذ بها.

‎هذه الاستقالة أحرجت شركاء الحريري في الحكم ورسمت للناس بصيص أمل في أن يحذو هؤلاء حذوه، ليس استقالةً بالضرورة، بل اتخاذاً لخطواتٍ جدّية وجريئة تكبح المسار الخطير للانهيار الذي يعاني منه البلد، لكنّ هذا لم يحدث، بل اعتمد هؤلاء سياسة صمّ الآذان وإغماض العيون ودفن الرؤوس في رمال أوهام استمرارهم في مواقعهم، ومواصلتهم سياسة المحاصصة وتقاسم ما تبقى من مغانم هي حقٌّ للناس، بالإضافة إلى لومهم الحريري على "تسرّعه" في هذه الخطوة التي وضعوها في خانة استهدافهم (العهد)، لا في خانة حضّهم على القيام بأيّ خطوةٍ مسؤولة، وهذا ما منح رئيس الحكومة المستقيل بعضاً من التمايز في أوساط المنتفضين الذي حيّدوه موقتاً ليركّزوا ضغوطهم في اتجاه إلزام غيره على الاستقالة.

‎ذكرنا "رجل الدولة" الذي يتميّز باتخاذه الموقف الصواب في المرحلة الصعبة، ولو عبر التضحية بموقعٍ أو مكسب أو شعبية، وهو ما عرفناه مع شخصياتٍ سياسية لبنانية (انقرضت أو تكاد) آثرت الوقوف في الجانب الذي يخدم الوطن ويؤمّن مصالح الناس ويغلّبها على المصالح الخاصة.. وفي هذا السياق يمكن القول إنّ "الثورة" التي أصابت النهج الخاطئ والمتواصل في مفهوم إدارة الدولة ومؤسساتها، أتاحت لمن يرغب في أن يكون رجل دولة الفرصة الذهبية، فهل استغلّها الحريري أم أنه أخطأ في القفز فوقها، واستجاب من حيث يدري أو يجهل لتوظيف البعض استقالته ووضعها في خانة استهداف الشريحة التي ينتمي إليها من ضمن "مكوّنات" الشعب اللبناني؟

‎خطاب الحريري في 14 شباط يؤكد تبنّيه الخيار الثاني.. فماذا لو اعتمد في كلمته خلال الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري خطاب "رجل الدولة"، وأعلن انضمامه إلى الناس الموجوعين القلقين على مصيرهم، بدل محاولته المتعثرة نفخ الروح في جثة 14 آذار ولمّ شمل رموزها المتبعثرين ومحاولته زجّ أحد أبرز رموز 8 آذار (الوزير السابق سليمان فرنجية) ضمنها؟

‎ألم يكن الأجدى به تقديم ورقته الإصلاحية إلى "الثوار" لتكون أساساً لبرنامجٍ إصلاحي يشترك الجميع في صوغه والعمل على تنفيذ بنوده ليشكل مدخلاً عملياً وشاملاً لبناء الدولة؟

‎ألم يكن الأفضل الانخراط في حركةٍ لبنانية جامعة شاملة وعابرة للمناطق والمنطق الطائفي، عوض الغرق في قوقعة الطائفة والعزف على الوتر المذهبي بما يبرّر لآخرين خطابهم المشابه ويجعله مقبولاً بل ومطلوباً بدل أن يكون مستنكراً ومرفوضاً؟

‎هل من الذكاء العودة إلى القوقعة الطائفية وشدّ العصب المذهبي في هذه المرحلة التي تستدعي خطاباً معتدلاً من ابن من كان رمزاً للاعتدال؟ وهل هكذا تتم الاستجابة لمطالب الناس، ومواجهة أخطر أزمة يواجهها لبنان نتيجة نهجٍ سياسي متواصل كان هو أحد أبرز أركانه؟

*كاتب وصحافي لبناني - دبي







مقالات ذات صلة