عهد قوي... وباء ومجاعة!
أنور عقل ضو
قلنا للمرة المليون ألا أقوياء في لبنان، وأكدنا مرارا وتكرارا أن القوة لا تصرف في بازار السياسة اللبنانية وأقبيتها السوداء ودهاليزها النتنة، ومن هو قوي اليوم يصبح غدا نسيا منسيا ويهدم بانهدامه أساسات لبنان ويدك ما بقي من قلاعه الدستورية.
قوة لبنان الحقيقية تتأتى من مدنية الدولة وفصل الدين والأديان عنها، أي ببناء دولة المواطَنة بعيدا من مفاهيم ثيوقراطية (دينية)، ولا نأتي بجديد في هذا المجال، فأوروبا حلقت وتفوقت يوم انكفأ رجال الدين إلى دور العبادة، ويوم قدمت الكنيسة مراجعات نقدية واعتذرت عن ممارساتها في القرون الوسطى، من صكوك الغفران إلى إحراق العلماء واضطهادهم، ويوم ساد عصر التنوير على حساب الموروث الديني.
واهم من يظن أن القوة التي يتسلح بها أي فريق سياسي يمكن أن تبني وطنا، فلا عهد قويا في نظام التحاصص الطائفي، لا جمهورية قوية، ولا تكتلات نيابية قوية في فضاء الطوائف، فيما حكم الطوائف لا ينتج غير الحروب، يدمر الاقتصاد ويقوض دعائم الدولة، ولنا في ذلك أكثر من حرب وأزمة.
في ظل حكم الطوائف يظل الخوف ماثلا من الآخر الشريك في الوطن، تكبر الهواجس بين سائر الجماعات المكونة لنسيج الدولة الاجتماعي والروحي، ويصبح "زعيم الطائفة" مرجعيتها على حساب الدولة، أما القوة فلا تحمي بل تزيد الخوف وتدفع باتجاه التعصب، وفي التعصب تموت دول وتفنى أمم، وحدها الدولة المدنية تحمي الطوائف لأنها تنتصر للإنسان بغض النظر عن انتمائه، وترسخ قيم العدالة والمساواة.
مستحيل أن تتمكن دولة الطوائف من مواجهة الفساد ومكافحته، وها نحن اليوم أعجز من أن نوجه إصبع الاتهام لفاسد يتمتع بحماية طوائفية ومذهبية، ولا نستغرب أن يصبح لبنان على شفا مجاعة، وانهيار مالي واقتصادي، لا بل يستحيل على لبنان الطوائف أن يحمي مواطنيه من وباء وجائحة!