الفاسدون يسرقون... والفقراء "يحترقون"!
*بسام سامي ضو
في غضون أسبوع أقدم سائق سيارة أجرة في لبنان على إحراق سيارته وهو في داخلها، بعدما سطّر له رجل الأمن مخالفةً بأكثر من مليون ليرة لبنانية بسبب خرقه حظر التنقّل ضمن إجراءات "التعبئة الوطنية"، كما أقدم مالك درّاجةٍ نارية يعمل في خدمة التوصيل Delivery على محاولة إحراق دراجته التي صادرها رجال الأمن، بسبب "الجرم" ذاته.
سائق سيارة الأجرة سبعينيّ فقيرٌ معدم، لا يملك في هذه الدنيا سوى سيارته هذه الملزم بتسديد أقساطها الشهرية للمصرف، فلا تأمين صحيّ ولا ضمان شيخوخة هما حقٌّ طبيعيّ لمن هم في مثل وضعه في الدول التي "تحترم نفسها"، علماً أنّ قيمة محضر المخالفة يفوق ما يمكن أن يجنيه من العمل لأسبوع في الظروف العادية، فكيف به في زمن فيروس كورونا وما يفرضه من شللٍ اقتصاديّ في بلدٍ أنهك الفاسدون اقتصاده وأوصلوه بمحاصصاتهم إلى حدّ الانهيار؟
وعامل خدمة التوصيل شابٌ خاطر باحتمال التقاطه عدوى الكورونا خلال عمله هذا سعياً إلى كسب بضعة آلاف من الليرات تعينه وعائلته على مواجهة صعاب الحياة وتجنّب ذلّ استجداء مساعدة من أيّ مصدرٍ أتت.
رجل الأمن يدرك واقع حال هذين الرجلين ويتعاطف معهما ضمناً، لكنه لا يملك سوى تنفيذ الأوامر التي تلقاها من "السلطة" التي تجعل من هؤلاء الثلاثة ومَن يمثلون ضحايا لها ولسياساتها في مختلف القطاعات، وللنظام المتخلّف الذي أرساها، ولجشع الساسة وتوافقهم على تعميم الفساد بما يشبه تشريعه، وتقاسمهم خيرات البلاد بعد إرسائهم نظام محاصصةٍ طال كل مواقع السلطة ومفاصل حياة الناس.
السؤال المعروفة والمؤلمة والمحبطة الإجابة عنه هو: لماذا لا يجتمع حزن وفقر وغضب هؤلاء الضحايا ومَن يمثلون ضمن الإطار السليم، ويتّحد هؤلاء ويثورون في وجه المسؤولين الحقيقيين عن تردّي أوضاعهم، والمستمرّين في حرمانهم من حقوقهم والحجر على أموالهم ومصادرة جنى أعمارهم والمتاجرة بأبسط حقوقهم، بدل أن يمارس رجل الأمن سلطته الوهمية على ضعيفٍ مثله، ويحرق الفقير مصدر رزقه الوحيد إحباطاً ويأساً؟
* كاتب وصحافي لبناني في دبي