"كورونات" الفساد تضرب الليطاني... وآخرها النفايات الطبية!
فاديا جمعة
فيما يواجه لبنان اليوم جائحة كورونا لا تزال التعديات مستمرة وسط استباحة متجددة لصحتهم وحياتهم وكأن كورونا لا يكفي، لتطل "كورونات" الفساد والفوضى بأشكال مختلفة، ولا سيما على امتداد مجرى نهر الليطاني وبحيرة القرعون ومحيط القرى والبلدات من البقاع إلى الجنوب.
نبدأ من فساد تنفيذ المشاريع وإهمال الكثير منها وغياب الشفافية والمحاسبة وهدر المال العام، فالبنك الدولي الذي قدم قرضا بقيمة 55 مليون دولار أميركي للحد من تلوث بحيرة القرعون والذي وافقت عليه الحكومة ومجلس النواب في 2016، خلص في تقريره الصادر بعد ثلاث سنوات ونصف السنة على بدء تنفيذ المشروع إلى: لم يلاحظْ أي تحسن في جودة مياه نهر الليطاني ولا تزال مؤشرات تدفق مياه الصرف الصحي ونسبة الأسمدة الزراعية مرتفعة في النهر وفي البحيرة.
نسبة التنفيذ لم تتعدَّ الـ 2 بالمئة
وبحسب التقرير أيضا، فإن "التنفيذ العام للمشروع غير مرضٍ نظرا إلى التأخير، فضلا عن أن الهدف الرئيس للمشروع يتمثل في بناء شبكات صرف صحي، فيما لم ينجز منها سوى 4 بالمئة مما هو مقرر، ولم ينفق سوى 6.3 بالمئة من الميزانية المرصودة لهذه الغاية"، ولم يتم وصل سوى 168 منزلا على شبكات الصرف من أصل 9150 منزلا شملها المشرع، وهذا يعني أن نسبة التنفيذ لم تتعدَّ الـ 2 بالمئة.
وألقى التقرير الضوء على "الأداء السيء للمشروع وعمليات الشراء الطويلة للأعمال وأنشطة المساعدة الفنية وغياب التنسيق بين الأطراف"، وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد وجهت كتابا الى مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه عقب صدور تقرير "المراجعة نصف المرحلية لمشروع الحد التلوث في بحيرة القرعون" والمتعلق باتفاقية القرض بقيمة 55 مليون دولار أميركي بين الجمهورية اللبنانية ممثلة بمجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي للإنشاء والتعمير.
تبذير لأموال اللبنانيين
وفي السياق عينه، أشارت المصلحة في كتابها إلى أن تقرير "المراجعة نصف المرحلية للمشروع" المنفذ من قبل فريق البنك الدولي في شهر آذار (مارس) 2020 أكد أن التنفيذ العام للمشروع غير مرضٍ، الأمر الذي دفع مصلحة الليطاني إلى الطلب من البنك الدولي في كتابها، ما يلي:
- استبدال وحدة إدارة المشروع القائمة، التي فشلت حتى الآن في ضمان التنفيذ الجيد للمشروع من خلال سوء الإدارة وانعدام التنسيق، بأخرى جديدة.
- الحد من الرواتب المفرطة الممنوحة للخبراء في مختلف الوزارات التي تعد بمثابة هدر وتبذير لأموال اللبنانيين وللمال العام حيث ان بعض هؤلاء الخبراء لا يحضرون حتى الإجتماعات الخاصة بالمشروع، ما يوجب على الوزارات والمؤسسات المعنية تعيين خبراء من موظفيهم دون مقابل للتنسيق ومتابعة اعمال المشروع كون هؤلاء الموظفين يحصلون على رواتبهم مقابل عملهم من قبل الحكومة اللبنانية.
-اعتبار المصلحة شريكا رئيسيا في كافة مشاريع المياه المستقبلية لحوض نهر الليطاني، خصوصا للمشروع الجديد المقترح "البرنامج الوطني الشامل للإدارة البيئية (المرحلة الأولى - حوض نهر الليطاني)".
السيانوبكتيريا
حيال ما شاب هذا المشروع من إهمال وفوضى، كان لا بد من أن تكون النتائج كارثية على النهر والبحيرة، خصوصا مع استمرار تدفق مياه الصرف الصحي والصناعي، وأخطرها "إختناق" بحيرة القرعون بالسيانوبكتيريا السامة، الأمر الذي ينذر بتداعيات بيئية وصحية خطيرة، ما يتطلب وبسرعة قصوى إلزام سائر الجهات المعنية بتطبيق خارطة طريق لرفع التلوث ودرء الأخطار عن نهر الليطاني وبحيرة القرعون.
وفي هذا السياق، ومع هذه الكارثة المستجدة، رصدت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تكاثر طبقة كثيفة من السيانوبكتيريا، ولا سيما على ضفاف بحيرة القرعون وكذلك في أسفل السد، وتم أخذ العينات من مختلف المواقع في البحيرة ومن مفيضها أيضا، وخضعت للتحليل قبل الباحث الدكتور كمال سليم.
تقرير الدكتور سليم
ويهمنا في هذا المجال التأكيد على أهمية التقرير، وعرض أهم ما تناول من نقاط، إذ أشار إلى أنه "من ضمن متابعتنا البيئية لنهر الليطاني وبالأخص بحيرة القرعون وبعد فترة جيدة لنوعية المياه في الشهرين المنصرمين تفاجئنا هذا الصباح الباكر باجتياح السيانوبكتيريا مشكِّلة ما يسمى البلوم وأظهرت الدراسة تواجد النوع الذي يسمى بـ: Aphanizomenon ovalisporum الذي يفرز سموما ويقضي على الحياة في البحيرة، وكذلك بدراسة المياه الخارجة من المفيض كانت كثافة هذا النوع كبيرة وهذا يحصل للمرة الأولى وبعكس السنوات الماضية."
وتوازيا، أكدت المصلحة أنها بصدد رفع تقرير معزز بالمعطيات العلمية الى الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الآنية الرامية للحد من هذه المشكلة، لا سيما وأنها ستتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، مع استمرار تدفق المياه المشبعة بالصرف الصحي بمعدل 40 مليون متر مكعب سنويا.
الري ومقتضيات الأمن الصحي
وفي سياق متصل، ومع استمرار التلوث تظل مشكلة الري حاضرة أيضا بما يترتب عليها من نتائج صحية وبيئية خطيرة، وقد وجهت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني كتابين الى كل من محافظ البقاع القاضي كمال ابو جودة ومحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر طلبت بموجبهما منع ري المزروعات من مياه نهر الليطاني وروافده في نطاق محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل، وضرورة تأمين مقتضيات الامن الصحي وجودة مياه الري وسلامة الغذاء في إطار السعي والبحث عن الأمن الغذائي.
وكانت فرق المراقبة التابعة للمصلحة قد رصدت ري عدد من المحاصيل الزراعية من مياه نهر الليطاني وبعض روافده الملوثة، كما رصدت انشطة تجهيز وسائل واشغال لجر مياه الري من النهر، ولفتت إلى أن عدد كبير من المزارعين تذرعوا باستخدام هذه المياه لري محاصيل الذرة العلفية والتي تبين انها تخصص للاستهلاك البشري، او يشكل التذرع بتلك الزراعات لري محاصيل أخرى.
وشددت المصلحة في كتابها ان مياه نهر الليطاني لا تزال غير مطابقة للمعايير الجرثومية لإستخدامها لري المزروعات، بحسب معايير منظمة الصحة العالميةWHO ومنظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة FAO، خصوصا وأن نسبة القولونيات الاجمالية ونسبة القولونيات المتحملة للحرارة في بعض المواقع بلغت أكثر من 200,000 مستعمرة في المئة ميلليلتر وفقا للتحاليل الدورية التي تجريها المصلحة، فيما الحد الاقصى المسموح به في كل 100 ميليلتر هو 1000 مستعمرة بالنسبة للقولونيات الاجمالية و100 مستعمرة بالنسبة للقولونيات المتحملة للحرارة وفقا للــــــ FAO او 1000 مستعمرة للقولونيات المتحملة للحرارة وفقا للـــــــ WHO، اي ان الجراثيم تتخطى كل المعايير العالمية التي تم وضعها لمياه الري.
نفايات طبية
واليوم تطل فضيحة جديدة تؤكد كل ما سبق وذكرناه آنفا لجهة التسيب والفوضى والإهمال وغياب المراقبة والمحاسبة، ما يبقي المصلحة الوطنية لنهر الليطاني شبه وحيدة في المواجهة المستمرة.
فقد رصدت فرق المراقبة في المصلحة رمي نفايات طبية وأمصال على صفاف أحد روافد النهر في منطقة حزين - طاريا، مؤكدة أنها سبق وادعت على ثماني عشرة مؤسسة صحية في البقاع، وذلك بحرم رمي النفايات الطبية السائلة الى النهر.
وجاءت هذه الجريمة البيئة والصحية وبحسب المصلحة، لتؤكد على الخِسة وانعدام المسؤولية التي تتعاطى بها بعض المؤسسات الصحية عشية تلقيها 450 مليار ليرة من الخزينة العامة عقب هروبها من التصدي لوباء كورونا لتمارس القتل العمد بالنفايات الطبية.