كمّامة للأفكار الموبوءة!

مشاركة


لبنان اليوم

*بسام سامي ضو

بما أن لا قدرة لنا على منع أو ضبط الأفكار الشريرة أو التأثير عليها، حتى ولو وضعنا أصحابها في الحجر الطوعي أو الإلزامي، سواء في مصحّ- طبّي أو عقلي- أو منصب أو منزل أو قصر، أياً يكن نوع هذا القصر.. وبما أنّنا في زمن وباءٍ قاتل وغامض يجتاح العالم متجاوزاً كل الحواجز والحدود والإجراءات الأمنية والوقائية، ليفتك بالبشر دونما تمييزٍ بين لون أو عرق أو جنسية أو جنس أو عمر..

وبما أنّ كل المختصين وأصحاب الأدمغة والخبرات والإمكانات والإنجازات والمليارات والمبادرات منكبّون بصورةٍ لم تعرفها البشرية من قبل على مواجهة هذه الجائحة الصحية والاقتصادية المدمّرة، للحدّ من انتشارها وتداعياتها، متجاوزين أيضاً في الكثير من الحالات الحدود الفاصلة بين الدول، ومُسقطين أو متناسين الخلافات والنزاعات وحتى الحروب في ما بينهم..

فإنّنا في لبنان، حيث يعاني الناس أضعافاً مضاعفة من آثار "فيروس كورونا المستجد" وأنواعٍ أخرى فريدة و"خاصة" من الفيروسات في السياسة والاقتصاد التي اعتادت وتواصل مصادرة لقمة عيشهم وسلبهم أو حرمانهم حقّهم في الحدّ الأدنى من مقوّمات الأمان الاجتماعي، نجد أفراداً- في موقع المسؤولية المفترضة - يملكون أفكاراً شريرة تشرّبوها في "ثقافتهم" السياسية والحزبية، ونشأوا متمسكين بها ومعتبرينها الحقيقة المطلقة، يمنحون أنفسهم إطلاقها أنّى ومنى شاؤوا، غير آبهين بفعلها القاتل والمنتشر كالفيروس في نفوس من يعتبرونهم تابعين لهم، موظفين وسائل إعلامهم القادرة على مطاردة المستهدفين بهذا الوعي وملاحقتهم حتى عقر حجرهم المنزلي، مطلقين سموماً "سياسية" متنوّعة الأشكال موحّدة الأهداف، غير ملتفتين إلى تأثيرها الوبائي الناشر مشاعر البغض والكراهية ونبش القبور وتأجيج الأحقاد في النفوس والسعي إلى التفرقة، فيما المطلوب- وخصوصاً في الظرف الراهن والاستثنائي- خطابٌ هادئ جامعٌ ينشر روح التضامن والوحدة بين الناس في مواجهة خطرٍ أُضيف إلى الأخطار المتعدّدة التي يواجهونها.

وبما أنه لا يمكننا الحجر على هؤلاء، ولا كبت أفكارهم أو منعها من مغادرة أفواههم قبل مرورها على رقابة ضميرهم، وبما أننا في زمن انتشار وباء ومواجهته، أقترح الانكباب على اختراع كمّامةٍ ذكية يضعها مثل هؤلاء، تكون قادرةً على أن تعيد ما يفكرون به إلى دواخلهم، لعلّهم يتذوّقون مرارته ويصيبهم بما يكفل منعهم عن الحديث لأيّام أو أسابيع، أو تعيدها إلى عقولهم- إن وُجدت- حيث يجري تكريرها لضمان عدم تكرارها، وبالتالي لحماية الناس والوطن من كل فكرةٍ موبوءة.

*كاتب وصحافي لبناني في دبي

 







مقالات ذات صلة