خطابات الحرب الافتراضية... تنفيس أم تمهيد؟!
*بسام سامي ضو
ملفتةٌ تلك "الحيوية" التي نشهدها على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لمحازبين من مختلف الأطراف "يبدعون" فيها فيديوهات تستعيد مشاهد من معارك خاضها مقاتلو حزبهم - وهم منهم بالتأكيد - على وقع أناشيد حماسية ينتمي بعضها إلى تلك الفترة، والبعض الآخر جرى تأليف كلماته وتلحينها وتوزيعها وأداؤها وإخراجها حديثاً، مع تضمينها رسائل وعيد وتهديد للخصم العنيد ووعدٍ بالنصر الأكيد!
أما من يفتقد الموهبة والتقنيات والإمكانات المادية والإبداعية لهذا "الإنتاج الفني - الحربي"، فيعتمد "راجمات الكلمات"، أو يتحفنا بإطلالة شخصه الكريم، مستكملاً بالصوت والصورة والمضمون إطلاق رصاصات وقذائف أرغمته تسوية اتفاق الطائف على وقفها قبل ثلاثة عقود. وإن تكن هذه السنوات حفرت حضورها في شكله فبات على حافة الكهولة أشيب الشعر أو فاقده وبديناً، فإنها لم تغيّر في مضمون أفكاره شيئاً، بل جعلت "حواره" الافتراضي مع خصمه أكثر حدّةً من أجواء المعارك، حيث يتولى كل جانبٍ تذكير الآخر بما حقّقه عليه من انتصارات، ويعده بالثأر من أيّ هزيمة ألحقها به، من دون أن يغفل لوازم الديكور، أي صورة الزعيم خلفه وراية الحزب الخفاقة التي سيزرعها هذه المرة في جميع أنحاء الوطن، بعد تحريره!
لست خبيراً في علم النفس، لكنها تبدو لي - في أفضل الحالات - حرباً افتراضية تعويضية يسعى من خلالها المنهزمون اليوم، وأعني بهم الفقراء من مختلف الانتماءات، إلى الانتقام ممن أوصلهم إلى وضعٍ مزرٍ بعدما خسروا مدخراتهم وعملهم ولقمة عيشهم الكريمة، لكن المخيف أنّهم يحمّلون الآخرين المهزومين مثلهم المسؤولية عن ذلك، وليس الزعماء وأرباب السلطة الفاسدة فينتفضون عليهم، في تأكيدٍ لمقولة أن الفقراء هم وقود الحرب ورمادها، وكأني بمن فاتهم الموت ذات حربٍ يسعون إليه حاضراً، ربما على قاعدة "الموت ولا المذلّة"!
إذا كان زعماء هؤلاء لا يسمعون نفير الحرب الذي يطلقه بعض الغلاة من محازبيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يدرون بها لكنهم غير قادرين على ردعهم أو إقناعهم بالكف عن نشرها وتداولها فتلك مصيبة، أما إذا كانوا يعلمون بها ويغضون الطرف عنها، كي لا نقول يشجعون عليها، فالمصيبة أعظم، وعندها فالخشية من أنّ ما هو حربٌ كلامية افتراضية اليوم لن يتأخر لأن يصبح جحيماً واقعاً غداً.
*كاتب وصحافي لبناني في دبي