أم هـــــارون... مسلسل التطبيع الخلـــيجي مــع الكيان الصهــــيوني؟!

مشاركة


عربي ودولي

الشاعر الكويتي محمد صالح صرخوه

التعامل العربي مع مسلسل أم هارون وبوادر التطبيع الخليجي الاسرائيلي جرى بنفس العقلية الشمولية في التعامل مع أي قضية يرتبط أعضاؤها بما يمكن تعريفه بـ "التابو" الاجتماعي، وهي عقلية تتعامل مع كل ما له علاقة بأحداث سياسية وتاريخية بشكل تعميمي، فلماذا الحديث عن يهود الخليج الأقدمين، أليس اليهود هم بنوا دولة إسرائيل؟ ولو فكّرنا قليلا بهذا السؤال: كيف يمكننا التحدث عن التواجد اليهودي في الخليج في عمل درامي مثلا او غيره دون أن يتم اتهامنا بالسعي للتطبيع؟ لم أجد اجابة الى الان!

اليهود متواجدون في إيران منذ الازل، ومازالوا متواجدين. ويتواجدون كذلك رغم قلّتهم في العراق، كما يتواجدون في المغرب والى عهد قريب جدا في اليمن، فهل من المعقول مطالبة كل هذه الدول بتجاهل الفئة اليهودية فيها وبالنظر إليها بشيء من الاحتقار كمن ينظر إلى مواطن من الدرجة المليون؟!

لا يصح التعميم برأيي على جميع الاعمال الفنية او العلمية والتاريخية التي تتناول اليهود في الخليج وغير الخليج كمحاولة للتطبيع والتقارب العربي الاسرائيلي بل في هذا الشأن يتوجب علينا تبيان بعض الحقائق والتي قد تسوء البعض:

1-لليهود كل الحق في المواطنة في أي بلد كانوا، وليس من الاخلاقي التعامل معهم بعنصرية.

2-لاقى يهود الخليج القدماء معاملة سيئة من قِبل نظرائهم في الوطن مما دعاهم للهجرة. الهجرة لاسرائيل خطأ لا يُغتفر. لكن هل ينفي هذا تعرّضهم للأمراض العنصرية التي لاقوها من نظرائهم؟ لا..

3-لليهود اثار عريقة وضاربة في القدم في منطقتنا ومنهم من ترك بصمة ابداعية كبيرة على فنون المنطقة كصالح وداود الكويتي الاخوين اليهوديين.

4-العداء العربي ليس موجّها لاتباع الدين اليهودي. بل هو موجّه للصهيونية وأتباعها علما بأن ثمة فئة كبيرة من اليهود يعادون الصهيونية بأشرس من عدائية المسلمين لها.

5-لا أرى سوء في مسلسل أم هارون ما لم يُضمر رسالة تدعو للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

6-أقيم المسلسل بدرجات متدنية من الجودة على مستوى التمثيل والسيناريو ألخّصها بالتالي:

ثمة جمل وحوارات وحالة حدثية مستهلكة جدا. فقول المرأة المسيحية للمسلمات جمعة مباركة لم يكن دارجا في تلك الايام بل هو حديث. كما أن بداية المسلسل التي تتحدث عن حفل زفاف تقوم فيه المسلمة بقراءة التعاويذ على (الكوشة) وتدعو المسيحية فيه الاب يسوع لحفظ العروسين وتقوم فيه اليهودية بتجهيز العروس كانت بداية مليئة بالاسفاف كأنه مشهد يتحدث عن مسيرة من مسيرات الشارع في العيد الوطني. وكلّنا يعلم مقدار الشتم والتخوين والسف والتف الذي يكيله كل عنصر اتجاه الاخر كلما اختلى بربعه بالديوانية! وبرأيي أن التنوّع الفئوي كان يمكن تقديمه بحالة طبيعية تفي بالغرض غير تلك المسفّة التي ظهرت فيه

اظهار اللحمة الاجتماعية بقصة عاطفية يكون الرجل فيها دائما هو المسلم أو الكويتي (في مسلسلاتنا) والأمريكي (في أفلام هوليوود) وتكون فيه المرأة (يهودية) في مسلسل أم هارون أو (صينية) كما في هوليوود هي تقنية مهترئة عفا عليها الزمن بل أنها تتضمن اهانة للأقليات ولكل ما هو اخر! فهل شهدتم في يوم من الايام فيلما لهوليوود يتحدث عن قصة حب محرّمة جرت بين صيني وأمريكية؟! كذلك هو الحال في مسلسلاتنا وأفلامنا!

في النهاية، أرى أن وسيلة للتعامل مع اعلام التطبيع وفصله عن الابداع الشخصي يكون باعلان رفض كافة أشكال التطبيع مع الصهاينة وفي الوقت نفسه فصل الاعمال الفنية والابداعية التي تتحدث عن العنصر اليهودي (لا الصهيوني) بكونه كان أحد المكونات الاجتماعية في هذه المنطقة دون التعامل معها بطريقة (اللي شاكين بنفسهم) برأيي. إن هذا الصوت العالي في رفض مسلسل أم هارون فقط بكونه يتحدث عن قصة فئة يهودية كانت تعيش في الخليج بحجة عدم الرغبة في التطبيع لهو صوت ساذج! فكيف يكون إذن الرفض الحقيقي للتطبيع؟

يشكّل الصهاينة العصب الأساسي في بنية الحضارات الرأسمالية وشركاتها العابرة للقارات. فلو أُريد رفض التطبيع أن يتخذ شكلا مؤثرا فما سبب انتشار كافة ماركات الشركات تلك في كافة بلداننا؟ علما أن وكلاءها (منّا وفينّا)! تكمن معادات التطبيع الحقيقية في مقاطعة كل تلك الشركات ووكلائها الحاليين. وأقول (كل) وأعني حتى تلك التي نتخذها موضة لحياتنا اليومية بشراء قهوتنا المفضلة منها! واللبيب بالاشارة يفهمُ! كوني أعتمد تقنيّة (اللبيب بالاشارة يفهمُ) يبيّن مدى قوة التوغل الصهيوني الرأسمالي في بلداننا. فهو حاضر لدرجة يكفل لها القانون حق الوجود عن طريق تكميم الافواه المشيرة إليها صراحة!

من يريد رفض التطبيع مع الصهاينة فعليه بمقاطعة كل شركات الحضارة الرأسمالية العابرة للقارات. واستبدال منتجاتها بمنتجات الصناعة المحليّة.. و لا كوب القهوة عندك أغلى من القضية بكبرها؟! المطبّعون الحقيقيون والعملاء متواجدون بين ظهرانينا وبرأيي هم أخطر من سيناريو يتحدث عن فئة يهودية عاشت في الخليج في زمن من الأزمان. فلو رُفع الغطاء عن الأبصار لمات الناس مصروعين لشدة صدمتهم بشخصيات عملاء الصهاينة في بلداننا. وخاصة في المجالين الاقتصادي والاعلامي! دون اتخاذ موقف بمقاطعة تامة لكل ما يتم بصلة لرعاة العالم الرأسمالي بشركاته العابرة للقارات وأنظمتها السياسية الداعمة لها حتى على مستوى (الربع دينار) فقولوا على القضية السلام! بل على مستقبلكم ومستقبل عيالكم السلام أيضا!

كيف؟

لأن العالم الرأسمالي لا يعترف بحدود ولا خصوصية. ولا يعترف بشركات ومنتجات ومشاريع محليّة. فهو يهدف للسيطرة على كافة تفاصيل حياتك اليومية ولوازمها ابتداء من كوب القهوة وصولا إلى قرار الحرب! وبالتالي فإن الشركات الرأسمالية تحارب كافة أشكال الانتاج المحلي. و لا تشجّع على الاستقلالية الاقتصادية الا تحت شعار واحد فقط و هو الاستغناء من باب الطموح عن الوظيفة الحكومية و اختيار الخدمة في القطاع الخاص.
بهذا المقدار فقط !أمّا امتلاك مشروع انتاجي محلّي فمرفوض تماما !وذلك لا يعني غير شيء واحد فقط ..أنتم و ابناءكم جميعا ستبقون في خانة المستهلكين! وستتقمون صاغرين للخدمة في الشركات الرأسمالية كخدم دون أن يكون لكم أي دور استقلالي بارز !ولأجل تحقيق هذا تخوض الرأسمالية بقيادة أمريكا حروبا طاحنة منذ الحرب العالمية إلى اليوم في كل البلدان.
‏ابحثوا عما قامت به السياسة الامريكية في البرازيل و الارجنتين مثلا . وعما قامت به في دول شرق اسيا. وفي الوقت ذاته انظروا لحجم الخيرات الطبيعية التي تنعم بها تلك الدول مقابل الفقر المدقع الذي تعيشه شعوبها.. واسألوا عن السبب في كل ذلك!

هل تعلم أن القهوة اليمنية تُباع من مزارعها اليمنية بأسعار زهيدة جدا. علما بأن الشراء آو الاستيراد المباشر من تلك المزارع ممنوع؟ مَا السبب في منعه؟ ببساطة، لأن الشركات الرأسمالية العملاقة هي المخوّلة فقط لشراء تلك القهوة... وبيعها عليك بأضعاف سعرها الحقيقي! هل تعلم بأن الشركات العملاقة الرأسمالية.. تتلف مئات بل آلاف الاطنان من البن البرازيلي سنويا، فقط للحفاظ على سعره المتعارف عليه مرتفعا؟ في الوقت الذي فيه تتعالى أصوات منظماتها الحقوقية حول انتشار الفقر في تلك البقاع اللاتينية من القارة الامريكية!

وأخيرا، هل تعلم بأنك ستقرأ كل هذه المقالة ثم تغلق هاتفك وتقوم غدا بشراء منتجات الشركات الرأسمالية العملاقة (مثل الأهبل) وكأن شيئا لم يكن؟

 







مقالات ذات صلة