القندس "مهندس السدود المستدامة" الأول!

مشاركة


البيئة تنوّع بيولوجي

 

 

سوزان أبو سعيد ضو

ليس الإنسان أول من ابتكر الفنون والعلوم، بل إنها بمعظمها، جاءت كنتيجة، لملاحظاته ومراقبته الطبيعة وكائناتها، وملهمة له على مر العصور لتطوير مهاراته وقدراته، وفي هذا المجال، إن حاولنا على سبيل المثال، تتبع علم الهندسة في هذا المجال، وخصوصا في مجال هندسة السدود، لوجدنا أن أول كائن بنى سدا، هو حيوان القندس، لذا يمكن اعتباره مهندس السدود الأول، وإن كانت هذه السدود التي ابتكرها، مستدامة، أي  لا تتسبب بالضرر على البيئة مثل ما تتسبب به السدود البشرية.

وينتمي القندس Beaver وهو حيوان من رتبة القوارض، واسمه العلمي Castor، وهناك نوعان المستوطن في أميركا الشمالية   North American beaverواسمه العلمي  Castor canadensisوالمتواجد في أوراسيا Eurasian beaverواسمه العلمي Castor fiber، وتبني هذه الحيوانات سدودا وأنفاق هي عبارة عن منازل له في محيط بيئته الطبيعية في الأنهر ووسط الغابات، وباستخدام الأخشاب والأغصان، وعادة ما يتم بنائها ليلا، وبهذا تساهم في التقليل من الفيضانات.

Farmers have concerns about the impact of beavers on the landscape

وكان تعداد القندس الأميركي حوالي 60 مليون لينخفض في العام 1988 إلى ما بين 6 و12 مليون، حيث ساهم صيده للحصول على الفراء والغدد المستخدمة في صناعة العطور، فضلا عن التخلص منه للحفاظ على الأراضي للملاكين، قد ساهم في هذا الإنخفاض الكبير، أما الأوراسي، فقد قارب مرحلة الإنقراض إلى حوالي 1200 في بدايات القرن العشرين، وهو يتواجد في 8 مناطق في أوروبا، إذ أعيد ادخاله إلى العديد من المناطق التي كان يتواجد فيه سابقا، وهو يتواجد في اسبانيا، وسط أوروبا، بريطانيا العظمى، سكاندينافيا، وفي آسيا في مونغوليا والصين، وقد انقرض في تركيا، البرتغال ومولدوفا.

وقد بحث الخبير في العلوم الطبيعة البروفسور ريتشارد برازيير Richard Brazier في سدود القنادس مبديا إعجابه بما تقوم به خصوصا في "غابات ديفون"  woodland Devon في المملكة المتحدة، حيث قام بمعاينة ميدانية ودراسة كيفية قيامها بتقديم نموذجا لسدود أكثر استدامة وبهدف الوقاية من الفيضانات.

The wild-living beavers have boosted local tourism

وساهم البحث بتقديم مقاربة غير مكلفة للمساعدة في مواجهة الإنسان للفيضانات، فالحكومة البريطانية تنفق على إدارة الفيضانات حولي 3 مليارات جنيه إسترليني، بالمقابل فقد أصبحت فيها الفيضانات أكثر شيوعا، لذلك وجهت الحكومة البريطانية جهودها إلى مشروع يسمى "إدارة الفيضانات"، من خلال منع وصول المياه للمصب بدلا من بناء دفاعات بكلفة عالية.

 

"ديفون 3" مشروع مستدام

 

وقد كانت هذه القنادس تعيش لفترة تزيد على عشر سنوات على ضفاف نهر ديفون، إلا أنه في التجربة ، وبعد تهديدات طاولتها ، فقد وضعت بعض افرادها في الأسر، وتمكنت من التكاثر على الرغم من ذلك، وتمت إعادتها للبرية ضمن دراسة جديدة.

وووفقا للدراسة حيث تمت متابعة لهذه القنادس لمدة خمسة أعوام في منطقة أوكهامبتون Okehampton في "نهر أوتر" (نهر ثعالب الماء)  River Otter في مقاطعة ديفون، وتعيش على مساحة تمتد ثلاثة هكتارات من الغابات، حيث تم إطلاق خمسة قنادس اخرى بهدف زيادة التنوع الجيني للأفراد، وحاليا يوجد 13 عائلة منها، عملت على بناء السدود والقنوات والأنفاق لجحورها، وقد بلغ عدد هذه السدود 13 سدا على مسافة 150 مترا، وباستخدام الأشجار، وقال البروفسور برازيير، " القنادس كائنات تهندس البيئة لصالحها، ومن هنا تكمن فائدتها".

A mother with kits on the river

وأدت المشاهدات إلى اقتراح مشروع "ديفون 3"، مستهدفا ثلاثة محاور، تخزين المياه، الحد من الفيضانات، والمحافظة على جودة ونوعية المياه، خصوصا وأن هذه السدود زادت في سعة تخزين المياه، وقللت من مستوى تدفق المياه، وحسنت من نوعية المياه التي تخرج من السد.

وأشار برازيير إلى أنه "في البداية بنت القنادس سدودا تستوعب بضع مئات من الليترات، ولكنها اليوم تتسع لحوالي 65 ألف ليتر"، وتظهر الرسوم التوضيحية في البحث أن السدود تستطيع احتواء هطولات المطر المفاجئة ثم الإفراج عنها ببطء إلى النهر، وبهذه الطريقة تمنع الفيضانات التي تحدث في النهر، وتوفر موردا مائيا في فترات الجفاف.

A beaver dam : interestingasfuck

"في بعض المناطق ، لم يكن لديها تأثير كبير، لأنها تعيش في المياه العميقة التي تحبها"، وفقًا لمارك إليوت Mark Elliott من Devon Wildlife Trust ، الذي يقود مشروع Devon Beaver.

فقد لا تبني القنادس سدودًا في البحيرات والأنهار والجداول الكبيرة التي تحتوي على مياه عميقة، بل تعيش في الجحور، وعندما لا تكون المياه عميقة بما يكفي للحفاظ على القنادس والصغار آمنة من الحيوانات المفترسة، فإن القنادس تبني السدود، وقد يصل سمك جدار السد إلى متر واحد أو أكثر.

article_update_67f3609f-b27a-469a-9b2f-e977022527a4.jpg

قندس مع صغارها

ولكن حيث تنشئ القنادس جحورها في الأراضي الرطبة أو أنظمة التيار في أعلى النهر، تعمل هناك على بناء السدود لإنشاء البرك التي تشعر بالأمان فيها، وحيث يسمح لها هذا النظام بتوفير الطعام ولتطفو الأخشاب على سطح المياه، فقد كان لها تأثيرا كبير.ا

فقد تمكنت هذه الحيوانات من توفير موائل جديدة وجميلة استفادت منها فئران المياه water voles،  ثعالب الماء Otters، وطيور مثل Woodcock وSnipe. وقال إليوت: "لقد كانت مفيدة حقًا من وجهة نظر الحفاظ على البيئة".

كجزء من التجربة ، فحص خبراء من جامعة إكستر التأثير على تدفق المياه وجودتها، وتجمعات الأسماك، والنباتات وكيف تؤثر القنادس على الناس.

قال البروفيسور ريتشارد برازيير عن التأثير على تدفق المياه في مستجمعات المياه أو الهيدرولوجيا: "إنها قصة مذهلة ، إنها تغير أكثر بكثير مما كنا نتوقع".

تبطئ سدود القندس بشكل كبير تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر وتقلل من تدفقات الذروة بعد هطول أمطار غزيرة، مما يحمي من الفيضانات، كما أنها تحتفظ بالمياه في الجداول في أوقات الجفاف.

وقال البروفيسور برازيير إن الأبحاث تظهر أن السدود تلتقط الرواسب والأسمدة غير العضوية التي يتم ترشحها من الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى ازدهار حياة النبات في أحواض القندس، وتعزيز الأنواع الأخرى من الحياة البرية.

وعلى الرغم من مخاوف صيادي الأسماك من أن السدود يمكن أن تجعل من الصعب على الأسماك السباحة إلى أعالي النهر حتى تفرخ وتتكاثر، قال البروفيسور برازيير إن البحث أظهر تغييرات إيجابية على الأسماك التي تعيش في الأحواض كونها مليئة بالمغذيات، كما وأنها لا تزال قادرة على التنقل في النهر نحو أعلاه لتتكاثر.

وقد جذبت القنادس أيضًا السياح إلى "نهر أوتر"، مما أفاد الشركات المحلية مثل الحانات والمقاهي.

وكانت هناك بعض السلبيات أيضًا، حيث يواجه ملاك الأراضي فيضانات محلية نتيجة تغذي القنادس - التي تفضل أشجار الصفصاف Willow في الغالب - وتستهدف أشجار البساتين بالقرب من النهر.

وقال الخبراء إن تجربة القنادس التي تعيش برية على نهر إنجليزي لأول مرة منذ قرون تظهر أنها تستطيع العيش إلى جانب الناس وتقديم فوائد للطبيعة والمجتمعات.

تظهر الأدلة أن الحيوانات التي تم اصطيادها الى حد الانقراض في بريطانيا منذ حوالي 400 عام، يمكن أن تلعب أيضًا دورًا مهمًا في إدارة المياه في مواجهة تغير المناخ الذي سيجلب المزيد من الفيضانات والجفاف.

 

الحماية من الفيضانات

 

ويؤكد مدير المشروع مارك اليوت  Mark Elliott أن "ما يحدث هنا هو أمر استثنائي يسمح للحيوانات ببناء نظام بيئي يفيد بساتين الفاكهة المجاورة والكثير من أنواع الحيوانات التي تعيش على مصبات الأنهر"، وأشار إلى "اننا قبل خمسة أعوام عندما بدأنا التفكير في المشروع، لم نكن نعرف أننا سنصل إلى هذه النتيجة".

ويقول اليوت: "حصلنا على ترخيص لمدة خمس سنوات، واستطعنا نقل القنادس من مناطق أخرى من بريطانيا، وكنا مهتمين لمعرفة ماذا تستطيع هذه الحيوانات أن تفعل، وكان من الصعب في السابق على المزارعين ادارة المياه وتخزينها وحماية المزارع من الفيضانات، واليوم استطعنا فهم كيف يمكن للقنادس وملاك الأراضي أن يتعايشوا من خلال دراسة تأثير القنادس على الزراعة والحياة البرية والبيئة والسياحة"، ويؤكد: "أكثر ما يثير قلق الناس ليس القنادس، ولكن السياح الذين يجوبون نهر "أوتر" Otter لرؤية عمل هذه الحيوانات".

 

هواجس

 

وقال مستشار البيئة في اتحاد المزارعين الوطني بول كونغنتون Cottington Paul أن "تأثير القنادس على البيئة يمكن أن يجعل من إدارة الفيضانات أمرا هامشيا"، وأشار إلى أن"القنادس موجودة في كل مكان تقريبا في بافاريا وأميركا الشمالية، وظهرت في تلك المناطق مشاكل أكبر مثل ارتفاع مستوى المياه لدرجة غمر المحاصيل الزراعية، فضلا عن تأثير القنادس على البنية التحتية، وبعد 10 أو 20 عاما من هذا المشروع ستظهر قضية أكبر، إذ أن أعدادها ستكبر وستقترب من مناطق يديرها البشر، وكونها برية فستميل إلى العدائية، فكيف سيتمكن الناس من السيطرة عليها وعلى آثارها على أراضيهم وممتلكاتهم؟".

تقوم القنادس ببناء سدودها لإنشاء بركة من المياه العميقة والهادئة ، حيث يمكنها بناء جحورها، ويعمل السد على إبطاء تدفق النهر ، بحيث لا تتأثر منازلها بفيضان النهر.

وكتبت دورية ويتلاندز: "إن هذا التناسق الرائع في بركة القندس على مدى السنوات الـ 150 الماضية هو دليل على ما تتمتع به القنادس من مرونة"، حيث تم توثيق سدود منذ العام 1868،  كما أن دراسة اخرى في العام  2012 أشارت إلى أن بعض السدود في كاليفورنيا مرنة لدرجة أنها موجودة بعد أكثر من 1000 عام.







مقالات ذات صلة