دولة الرئيس... لا أبيض ولا أسود!

مشاركة


خاص اليسار

*بسام سامي ضو
تأخرت إطلالته قليلاً... السبب هو سعيه لاتخاذ القرار المناسب في اختيار البذلة التي تناسب الأجواء التي تعيشها البلاد، ولا سيما بعد الانتقادات التي طالت لون ربطة عنق فخامة الرئيس... دولة الرئيس يريد تجنّب هذه الهفوة: اللون الأسود قاتم ويلائم أجواء الموت، يستبعده دولته المسكون بالتفاؤل... البنّيّ لا يتناسب مع لون أو تلوينة الشعر... الأبيض قد يذكّر المشاهدين الكرام بتلك القبّة الفطرية التي رسمها الانفجار شبه النووي الذي دمّر بيروت قبل أيّام... لن يختار النيلي بالتأكيد، تجنّباً للوقوع في "فخٍّ" يجري الإعداد له في الغرف السوداء الداخلية والخارجية، فالنيلي يذكّر بربطة عنق فخامته.
يبقى اللون الرمادي الذي يشبه شخصيته: لا أبيض ولا أسود، لا ثورة ولا سلطة، لا صمت ولا كلام، لا فعل ولا استقالة، لا سلعاتا نعم سلعاتا... الرمادي ممتاز... يشبه عبقرية مستشاري دولته، ويلائم "تدبيلة عينيه" الزائغتين دوماً تحت نظارتيه الواقفتين أيضاً عند المنتصف فوق أنفه الذي تأكد أنّه ليس طويلاً بما يكفي لاستشراف ما يتنظره... يُقال "فلان ما بيشوف أبعد من منخارو"..
ولأني أشفق على دولة الرئيس والموقع الذي زجّ نفسه فيه والحجر الكبير الذي يشدّه إلى أعماق الفشل، حاولت - وأنا أستمع إلى الكلمة التي توجّه بها إلى "الشعب اللبناني" - أن أختلق له الأعذار: لعلّه لشدّة استنفاره وقلقه وسهره المتواصل منذ 5 أيام حمل نص الخطاب الخطأ... لكنه لم يتأخّر في تكذيبي، إذ ورد في متن كلامه عبارات "شهداء أبرياء وجرحى سقطوا ومبانٍ دُمّرت"... هو النص الصواب إذا... لعنني الله!
متماسكٌ دولة الرئيس... صلب الإرادة... لا وقت لديه للحزن والبكاء والسؤال عن الضحايا وذويهم والبيوت وساكنيها الذين باتوا في العراء، ولا عن أعزّاء لا يزالون يرزحون تحت حبّات قمحٍ عاشوا ذلّ انتظارها رغيفاً أمام الأفران، ولم تُكتب لهم بهجة أن يروا فرحة الزعيم وهم يستعرضون أمامه غلال القمح التي نصحهم بزرعها وقد صارت كتلك التي تقبع أطنانها فوق صدورهم التي بالكاد كانت تتسع لفسحة أمل، وتُطبق على عيونهم التي اعتادت أن تستعطي ساعات التغذية من وزارة كهرباء نجح وزراؤها المتعاقبون وأولياء أمرهم في تسجيل رقمٍ قياسيّ عالمي في النهب "30 مليار دولار"، وتضيّق على أنفاسهم التي يفاخر قادة الأجهزة الأمنية بقدرتهم على إحصائها، فيما سهت عنهم 2700 طنّ من موادّ كانت تقيم هانئةً عند تخوم أحياء الفقراء وبيوتهم قبل أن تحوّلها أثراً بعد عين.
عمليّ دولة الرئيس... يلتزم بالمكتوب الذي ليس منه مهروب... آلاف اللبنانيين على مقربةٍ من مقرّه الرئاسي يطلقون براكين غضبهم وحزنهم وإحباطم ويأسهم، ويعلّقون المشانق التي تنتظر معانقة الرؤوس - وما أكثر مستحقّيها - ويطالبون برحيل كل هذه الطغمة الحاكمة التي تحمي الفاسدين، وتنهمر عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والحي، وصاحب الضمير الحيّ لا يسمعهم، فلم يتوقّع مستشاروه موجة الغضب هذه، لذلك لم يكلّفوا أنفسهم عناء التوجّه إلى هؤلاء بكلمة.. ولم يشأ دولته التطفل وإقحام نفسه في مـا لا شأن له فيه.
طوى دولة الرئيس ورقته وانصرف... لم يسمعه "الشعب اللبناني" ولم يشعروا بوجوده...
انصرف وحوله كانت تحوم أرواح ألكسندرا ابنة الأربعة أعوام، وعلي شهيد الخمسة آلاف ليرة، وجو وميشال زينة الشباب وأبطال الدفاع المدني وفوج الإطفاء ومئات الشهداء...
"سيأتي اليوم"... كانوا يقولون له... ولهم "كلن"!
*كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي







مقالات ذات صلة