اللقاح الروسي لمكافحة جائحة كوفيد 19... ما له وما عليه!

مشاركة


صحة وجمال

سوزان أبو سعيد ضو

 

بينما تعد أفضل برامج اللقاحات تفاؤلا، بلقاح لفيروس كورونا في نهاية هذا العام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين Vladimir Putin، منذ أيام، عن لقاح لمكافحة جائحة كوفيد 19، ذات "فعالية بما فيه الكفاية، وأنه يعطي مناعة مستدامة"، لا زالت المعلومات عن اللقاح الروسي ضد فيروس كورونا الجديد، شحيحة، إلا أن بوتين أكد أن اللقاح فعال، كاشفا أن إحدى بناته تَلقت اللقاح، وأن درجة حرارتها ارتفعت قليلا، بعد كل جرعة إلا أنها بخير الآن،  وقد أُطلق عليه اسم "سبوتنيك في"  Sputnik-V، تيمناً باسم أول مركبة فضائية وُضعت في المدار "قمر سبوتنيك" الصناعي السوفياتي.

تقنية الهندسة الجينية

هذا اللقاح تم تطويره عبر مركز "غاماليا  Gamaleya Instituteللأبحاث، التابع لوزارة الصحة الروسية، بطريقة مشابهة للقاحين الصيني والبريطاني، لكن عبر استخدام نوعين من فيروس Adenovirus التي تصيب البشر، بعكس اللقاح البريطاني الذي يعتمد على فيروس "Adenovirus" الخاص بحيوان الشمبانزي. واستُخدمت، في تصنيع اللقاح الروسي، تقنية الهندسة الجينية، حيث تم تعديل الفيروسين المذكورَين لينتجا تيجاناً مشابهة لفيروس "كورونا" المستجد، من دون أن تكون ضارة بالإنسان، وبعد فترة من اللقاح يطور الشخص المحقون باللقاح استجابة مناعية التي تبدأ بها خلايا من خلايا الدم اللمفاوية Lymphocytes  وهي خلايا مختصة لمواجهة الفيروسات تسمى "الخلايا التائية"  T-cellsومن ناحية الأجسام المضادة Antibodies، كما بدأت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية بعد انتهاء المرحلة الثانية، كما أعلن الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي الذي يمول إنتاج اللقاح، كيريل ديميترييف، أن لقاح "غاماليا" يُجرب أيضاً خارج الأطر الإكلينيكية الرسمية، إذ أُعطي لعدد كبير من الأشخاص من خارج منظومة التجارب السريرية مثل متطوعين من الجيش ومدير مركز الأبحاث نفسه.

وقد أبدت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي شكوكاً بعد إعلان روسيا أن لقاحها على وشك الإنجاز، وأبدت حذرا بعد إعلان موسكو خبر ترخيص بدء تصنيع اللقاح، داعية إلى احترام "الإرشادات والتوجيهات الواضحة" في هذا المجال.

وقال المتحدث باسم المنظمة، طارق ياساريفيتش، في مؤتمر صحافي: "نحن على تواصل وثيق مع السلطات الروسية، والمحادثات تتواصل. المرحلة التي تسبق الترخيص لأي لقاح تمر عبر آليات صارمة، غمرحلة ما قبل الترخيص تتضمن مراجعة وتقييماً لكل بيانات السلامة والفعالية المطلوبة التي جُمعت خلال مرحلة التجارب السريرية".

آليات صارمة للقاحات

أما الإرشادات والتوجيهات الواضحة التي أشارت إليها منظمة الصحة العالمية فهي أن اللقاحات تمر في أربع مراحل من التجارب البشرية، حيث تعتبر تجارب المرحلة الأولى بسيطة للغاية – إذ يعطى اللقاح لمجموعة صغيرة من الأشخاص بجرعات مختلفة لمعرفة أي الجرعات اكثر أمانا، لينتقل بعدها اللقاح إلى تجارب المرحلة الثانية، حيث يزداد العدد إلى بضع مئات من الأشخاص، ويخضع لعوامل تحكم لمعرفة مدى فعاليته ومدى الإستجابة المناعية وإن كان ثمة آثار جانبية خطيرة فاتتها المرحلة الأولى من التجربة.

تعد تجارب المرحلة الثالثة هي أكبر دراسات ما قبل الترخيص، وهي تختبر ما إذا كان اللقاح يعمل بالفعل - حيث يتم تقسيم الأشخاص بشكل عشوائي إلى مجموعتين، مجموعة اللقاح مقابل المجموعة الضابطة، وتتم متابعتها على مدار أشهر لمعرفة ما إذا كان الأشخاص الذين تلقوا اللقاح مصابين أقل من الأشخاص الذين أخذوا الجرعات الضابطة. وهذه التجارب ضخمة، مع عشرات الآلاف من المشاركين، لذا يمكنهم أيضًا البحث عن الآثار الجانبية النادرة التي لا تستطيع الدراسات الأصغر التقاطها.

أما تجارب المرحلة الرابعة فتعد مرحلة ما بعد الترخيص، وهي موجودة للتحقق مما إذا كان اللقاح يسبب أي مشاكل نادرة حقًا، لأنك قد لا تلتقط شيئًا يحدث مرة واحدة في مليون مرة حتى تقوم بتلقيح عدد كافٍ من الأشخاص.

حاليا، الشيء الرئيسي هنا هو المرحلة الثالثة من التجربة. حتى يتم الانتهاء من ذلك، كل ما أظهرته هو أن اللقاح لا يؤذي كل من يتناوله، وأن هناك بعض استجابة الجسم المضاد في غضون شهر من الحصول على اللقاح. هناك العديد من الأمثلة على اللقاحات التي بدت واعدة في المرحلة الثانية - تسببت في استجابات الأجسام المضادة وكانت آمنة بدرجة كافية - والتي تبين أنها عديمة الفائدة في الوقاية الفعلية من المرض. لطالما كان التطعيم ضد فيروس نقص المناعة البشرية صعبًا بشكل لا يصدق، حيث فشل لقاح واحد على الأقل من تجارب المرحلة الثانية في منع المرض بالفعل. كما بدا أحد لقاحات الهربس  Herpes (نوع من الفيروسات الجلدية والذي يصيب الأعضاء التناسلية) واعدًا ولكنه لم يخلق استجابة مناعية مستدامة، وبالتالي لم يمنع عدوى الهربس الفعلية.

كما وأن لقاحا للمكورات العنقودية Staph، وهو عدوى بكتيرية تقتل الناس في المستشفيات في كافة أنحاء العالم، لم يفشل في منع العدوى في المرحلة الثالثة على الرغم من كونه مثاليًا في المرحلة الثانية  فحسب، ولكن في الواقع زاد من خطر وفاة الناس.

ومن الجدير ذكره، هنا، أن روسيا لم تنشر، إلى الآن، دراسة مفصلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح، مثلما فعلت الصين وبريطانيا. كما أن "الصحة العالمية" لم تذكر، حتى الساعة، اللقاح الروسي على موقعها الإلكتروني.

 مليار جرعة من اللقاح الروسي

كما أبدى علماء غربيون قلقهم من سرعة إنتاج هذا اللقاح، في وقت بادر فيه الإعلام الأميركي مستعيناً بتحذيرات خبير الأوبئة، أنتوني فاوتشي، بالتشكيك في فعاليته منذ الأيام الأولى، واستمر في حملته عليه، الذي أعلن أن اللقاحات الأميركية أصبحت في المرحلة الثالثة من التجارب، فضلا عن إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل صدور موافقة السلطات الروسية على اللقاح، أن لدى الولايات المتحدة 3 لقاحات في المرحلة الثالثة من التجارب، مؤكدا أنه "إذا ما أثبت لقاح ما من أي دولة أخرى نجاحه، فلن ننتظر وسنحصل على اللقاح منهم". وهذا ما يتقاطع مع كلام رئيس الصندوق السيادي الروسي الذي قال إن عشرين دولة أجنبية طلبت مسبقاً "أكثر من مليار جرعة" من اللقاح الروسي.

كما شككت وزارة الصحة الألمانية في "نوعية وفعالية وسلامة" اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد، الذي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التوصل اليه.

ومن الجدير ذكره أن عملية تصنيع "سبوتنيك في" ستبدأ في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وستعطى الأولوية في التلقيح لأفراد الجهاز الطبي، الذين يمثلون خط الدفاع الأول في المعركة مع الوباء. على أن ما هو جدير بالملاحظة قول بوتين إن اللقاح أمن "مناعة مستدامة"، وهذا يعني أن الباحثين في بلاده قد تمكنوا من معالجة إحدى المشكلتين التاليتين أو كليهما: احتمال احتياج البشر إلى عدة جرعات من اللقاح كل عدة أشهر أو كل سنتين لتأمين مناعة دائمة ضد الفيروس؛ والغموض في شأن إذا ما كانت الأجسام المضادة التي أنتجها جسد الإنسان الملقح ستبقى بالمستوى نفسه الكفيل بمحاربة الفيروس. الأيام المقبلة هي الكفيلة بإيضاح الصورة، لكن يُسجل لروسيا أنه أمام اكتساح "كورونا" لكوكب الأرض، كانت أول دولة تتوصل إلى لقاح ضده وتوافق عليه.

وحتى الآن لم تنشر روسيا، دراسة مفصلة عن نتائج التجارب التي سمحت لها بتأكيد فاعلية اللقاح، مثلما فعلت الصين وبريطانيا. كما أن "الصحة العالمية" لم تذكر، حتى الساعة، اللقاح الروسي على موقعها الإلكتروني.







مقالات ذات صلة