الدكتور رائد المصري... مَنْ دخل وزارة الخارجية فهو آمن!
د.رائد المصري*
بهدوء...فلا تستطيع قوى السُّلطة الحاكمة بعد اليوم أن تزيد في قمعِها رغم القناعة التامة لدى الجميع بأنها صارت فاقدة لأدْنى مقوِّمات الشرعية في الوجود وفي ممارسة الصلاحيات أو في تسيير أمور الدولة.
فالأحزاب الحاكمة لا هي قادرة على تقديم الإصلاحات ولو من باب رفع العَتَب، ولا هي قادرة على إقامة وتفعيل التحقيق الجنائي،أو إستكمال تحقيقات إنفجار المرفأ، ولا تتجرَّأ على مخاطبة حاكم المصرف المركزي، وتكتُّلاتها المذهبية التشريعية في مجلس النواب تتخبَّط فيما بينها وتتبادل أدوار التسويغ واللَّعب على الناس وجوعها ومصير ودائعها وفقرها، فيما المفروض من هذا المجْمَع التشريعي أن يكون ضمانة للأمن الإجتماعي والقضائي والقانوني.
فقط إستطاعت سلطة الأحزاب الطائفية الحاكمة وعبر الضغط الممارس على القضاء من إستدعاء عميد ثورة 17 تشرين جورج نادر الى القضاء بحجَّة الدخول الى مبنى وزارة الخارجية المهدَّم بفعل تفجير المرفأ الناتج عن أنانيتهم وتدليسهم وسمسراتهم وإهمالهم لموجوداته بسبب الصَّفقات، وإمتهانهم اللُّصوصية التي إحترفوها على مدى عشرات السنين.
كل الشعب اللبناني دخل الى مبنى وزارة الخارجية في الأشرفية تصويباً لسياسة لبنان المنحرفة من قبل صِبْية ومراهقين دخلوا حلْبة الشأن العام وإمتطوا شهْوة الحكم من دون دراية وتقدير، فكان لا بدَّ من التصويب على لبنان وعلاقاته الخارجية مع محيطه العربي لتحصينه في سيادته ومنْعه أن يكون رهينة بيد أحد، فهذا جلُّ ما كان في رسالة 8/8/ 2020 الثورية..
لم تستطع هذه السَّلطة زجَّ مرتكب واحد أو فاسد في السجن رغم كل الإرتكابات طيلة عمر الجمهورية الثانية على مدى ثلاثين عام، ولم يجرؤ قضاؤها على ملاحقة وتوقيف مرتكبي جريمة العصر في مرفأ بيروت، ولا ملاحقة وتوقيف من مارسوا اللُّصوصية والسرقة للمال العام وخزينة الدولة، وهم من بطانتهم السياسية وأزلامهم وميليشياتهم المدنية المنظَّمة والمضبوبة في وزارات الدولة، تمتصُّ من مال الخزينة كالعوالق من دون أن تعمل أو تداوم في مراكزها ليتمَّ إستخدامها في الشارع وفي قمع المتظاهرين والأحرار المطالبين بلُقمة العيش الكريمة وحقوق المواطنة.
فقد إستطاعت هذه السلطة المشوَّهة بعد أربعة أشهر بالتمام والكمال من تظاهرة 8/8/2020 في محاولة تركيب مِلِفات أمنية باتت مشبوهة ومكشوفة بالدفع الى إستدعاء العميد جورج نادر، هذا المدافع عن حقوق المتقاعدين والفقراء والطبقات الشعبية العاملة التي نُهِبَت حقوقها ومكتسباتها وودائعها.
ربَّما تُريد هذه السلطة بعد إنهيارها أن تعوِّض شيئاً بعد عجزها، فكل نظام إستبدادي يبدأ بالزوال عند تقديمه أول تنازل، وثورة 17 تشرين أجبرته على هذا التنازل ولا زال عقد الإستبداد الأمني الممارَس من قبل هذه الطغم الحاكمة ينفرط في كل يوم بوجه ثبات ثورة 17 تشرين وعصامية جورج نادر ومن معه وحوله والى جانبه من أحرار لبنان.
عندما يتحرَّر القضاء وتُفرِج أحزاب السلطة عن تشكيلاته، وعندما يتم توقيف المرتكبين في مِلفات النفط والبواخر والكهرباء والأشغال والطاقة والتربية والتلزيمات وفي المال العام والطوابع والتزوير العقاري وفي المرفأ والمطار ومعابر التهريب، ساعتئذٍ يحق أن تسري على كلِّ اللبنانيين دولة القانون وسيادته...
كلا لن تقدِروا ولن تستطيعوا كمَّ أفواه الناس وثورة الكرامة...فالثورة فكر وإستمرارية وفعل إيمان، بينما عروشكم ومناصبكم فعل نصْب وتكسير ولصوصية وإستحواذ على موارد الدولة وإحتيال على القوانين العامة...
*أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولي
نص مقال نشر في موقع "زوايا ميديا".