بعد نفوق الأم... أنثى خفاش تتبنى صغيرها اليتيم وترضعه!
سوزان أبو سعيد ضو
الخفاّش أو "الوطواط" من الحيوانات التي نسجت حولها الأساطير الشعبية، وللأسف فصناعة الأفلام لم تعفها من الدموية وأبشع الصفات، لا بل استبيح دمها، فعند ولادة الفتاة في المناطق الريفية والقروية كانوا يعمدون إلى "وطوطتها" بدماء خفاش طازج كي لا تصبح "مشعرانية"، أي كثيرة الشعر، وغيرها من الممارسات والإعتداءات على هذه الحيوانات الخجولة التي تعمد إلى التجمع في مجموعات ضمن شقوق الصخور والكهوف، حيث تأوي وتقوم ببياتها الشتوي، كما يتم اصطيادها للتسلي فحسب، ويعمد البعض إلى حرقها وهي حية والقضاء عليها كما حصل في بعض الكهوف شمالا، وكما يتم قتل بعضها كون بعضها يأكل الفواكه، ولكن هذا الحيوان بالمقابل يأكل من الحشرات ما يفوق أي مبيد حشري كفاءة وكذلك حفاظا على البيئة من التلوث فضلا عن أدوار عدة تقوم بها، إلا أنه ما تم توثيقه علميا مؤخرا، بقيام أحد إناث نوع من أنواع الخفافيش مصاصة الدماء، بتبني خفاش صغير نفقت أمه وليس ذلك بل أرضعته على الرغم من أنها لم يسبق لها الحمل أو الإرضاع، يلقي الضوء على جانب جديد من الرحمة والتراحم والتعاطف بينها وهي صفات نصف بها البشر، بالمقابل فقد تفوقت على بعض البشر في هذا الجانب.
فقد نشر موقع New Scientist مقالا تناول بحثا نشر في دورية The Royal Society Publishing تحت عنوان Non-kin adoption in the common vampire batبتاريخ 10 شباط (فبراير) 2021 حول تبني أنثى خفاش مصاص للدماء خفاشًا يتيمًا وبدأت في رعايته، بعد أن أقامت علاقة اجتماعية وثيقة مع والدة الطفل قبل نفوقها، قام به فريق علمي من جامعة ولاية أوهايو The Ohio State University.
وعلى الرغم من أن إناث الخفافيش تعيش في "مستعمرات أمومة"، والتي تتكون أحيانًا من مئات الخفافيش، إلا أنه يبدو أنها تربي صغارها بشكل فردي وليس كمجتمع، يقول عمران رازق Imran Razik من جامعة أوهايو، إن هذه الملاحظة النادرة لخفاش يتبنى رضيعًا ليس له معه صلة قرابة تعطي مزيدًا من الإضاءة في العلاقات الاجتماعية المعقدة بين الخفافيش الفردية وفي حالات خاصة كحالة نفوق والدة الصغير.
يقول رازق: "الشيء الرائع في الخفافيش مصاصي الدماء هو أنها تشكل علاقات اجتماعية طويلة الأمد مع بعضها البعض، والتي يمكن مقارنتها من بعض النواحي بالصداقات البشرية"، مضيفا، "مع هذا التبني، وهو شيء لا نراه عادةً، أتيحت لنا الفرصة لوضع هذا الحدث في سياقه بسهولة بالغة، من خلال وجود سجل طويل الأجل للتفاعلات الاجتماعية والتي أدت إلى عملية التبني."
كان رازق وزملاؤه في معهد سميثسونيان للبحوث الاستوائية في بنما يدرسون السلوك الاجتماعي للخفافيش مصاصة الدماء الشائعة (Desmodus rotundus) في وقت التبني، فلقد أسروا 23 خفاشًا بالغًا من ثلاث مستعمرات برية تقع على بعد مئات الكيلومترات من بعضها البعض، ثم وضعوها معًا في مستعمرة أسيرة واحدة ليروا كيف تتطورت العلاقات بين الخفافيش الغرباء عن بعضها البعض. إذ يمكن أن تشكل الخفافيش المصاصة للدماء روابط اجتماعية مع الخفافيش الأخرى، تتمثل بالإعتناء ببعضها البعض والقيام بتمشيط فرو بعضها البعض، وتتشارك الطعام عن طريق لعق أفواه بعضها البعض.
إلا أنه خلال هذه الدراسة أصيبت إحدى الخفافيش الإناث بالمرض أثناء الدراسة، ونفقت في غضون أسابيع من الولادة، لكن ما أثار دهشة الباحثين وارتياحهم أن أنثى خفاش أخرى تبنت الرضيع، كما يقول رازق.
وتمكن الفريق العلمي، ومن خلال مشاهدة مئات الساعات من تسجيلات الفيديو لتفاعلات المجموعة الإجتمية الاجتماعية، من تتبع تطور العلاقة بين الأم المريضة والتي اسموها "ليليث" وأنثى الخفاش التي تبنت الصغيرBD، التي لم تكن حاملاً أو مرضعاً، يقول رازق: "لقد أظهرت كلا الخفاسين في البداية الكثير من الميل المتبادل، ما يشير إلى أنه كان ثمة ترابط بينها".
وكان الخفاش الصحيح يشارك طعامه في كثير من الأحيان أكثر مما قامت ليليث، وهو اتجاه زاد عندما أصبح ليليث أكثر مرضًا بسبب ما يعتقد الباحثون أنه مرض معدي معوي.
كما ساعدت BD أيضًا في رعاية طفل ليليث، وتهيئته وإرضاعه، على الرغم من أنها لم تنجب طفلًا من قبل.
وعندما نفقت ليليث بعد 19 يومًا من الولادة، تبنت BD الطفل بالكامل وحملته كطفل خاص بها. يقول رازق: "قمت باستخراج الحليب يدويًا من حلمة BD، وفكرت،" رائع، إنها في الواقع ترضع هذا الصغير، وعرفت عندها أن هذه قصة رائعة حقًا".
هذا لم تساعد الإناث الـ 21 الأخرى في المستعمرة ليليث أو صغيرها بنفس القدر تقريبًا.
يقول رازق: "شرعنا في دراسة اختيار الشريك، ولماذا تستثمر الخفافيش مع بعضها البعض وكيف تتشكل هذه العلاقات بينها"، "لقد كان هذا التبني حقًا مساهمة مثيرة لمتابعة دراسة هذا الأمر."
والتبني غير نادر لدى الثدييات فقد تم تسجيله لدى 120 نوعا منها ومن الأمثلة لهذه الأنواع، الجرابيات marsupials، الرئيسيات primates (الشمبانزي وغيرها)، القوارضrodents، ذوات الأنياب canines، ذوات الحوافر ungulates، الأفيال elephants، الوبر (الطبسون) hyraxes، الحيتانيات cetaceans والخفافيش bats وغيرها.