صحراء كابوتشي: دروس من الصين في مكافحة التصحر... وإنتاج الطاقة المتجددة!
"إليسار نيوز" Elissar News
تعتبر منغوليا الداخلية ضمن حدود الصين الشمالية، واحدة من المقاطعات ذات أعلى مناطق متصحرة وأراضي رملية في الصين. فهي موطن لكثير من الصحاري والأراضي الرملية، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة، اتجهت منغوليا الداخلية لاتخاذ اجراءات الاستعادة البيئية وإدارة الأراضي الرملية الصحراوية، وقد حققت الصين في هذا المجال نتائج ملحوظة وفي صحار عدة ومنها صحراء كوبوتشي، أراضي مووس الرملية، أراضي هونشانداكو الرملية، أراضي هورتشين الرملية.
وفي هذا المجال، فقد ازدادت نسبة الغطاء النباتي في صحراء كوبوتشي من أقل من 3 بالمئة في ثمانينيات القرن الماضي إلى 53 بالمئة، وأدت علاجات مكافحة التصحر إلى ازدياد في معدل هطول الأمطار ومعها ازداد التنوع البيولوجي الحيواني والنباتي، كما وانخفضت نسبة أيام الرياح الرملية والغبار بشكل ملحوظ، وباستخدام تقنيات زراعة الأشجار "ذات الحفر الصغيرة" على نطاق واسع في صحراء كوبوتشي، وتوسيعها لتشمل أراضي هورتشين الرملية، وأراضي مووس الرملية، وصحراء وولان بوه، وصحراء تنغر وغيرها من الأماكن، فضلا عن استخدام الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء للعاصمة الصينية بكين، فصحراء كوبوتشي، سابع أكبر صحراء في الصين والأقرب من بكين مسافة، كانت مصدرا رئيسيا للعواصف الرملية في بكين، لكنها الآن تزود بكين بالكهرباء النظيفة بلا انقطاع.
وكانت هذه الصحراء في الفترة من الثاني الى الرابع من آب (أغسطس) من العام الماضي، مكان انعقاد منتدى كوبوتشي الدولي للصحراء لسنوات عدة سابقة، والذي يعرض سنويا خبرة الصين في العلاج البيئي والإتجاه للإستدامة والعمل على تحقيق أهداف أجندة 2030، والذي يستقطب الشخصيات السياسية والعلماء ورجال الأعمال من أكثر من عشرين دولة، بما فيها الصين والولايات المتحدة والهند، ويعود الفضل إلى شركة خاصة تدعى ييلي للموارد، التي تجسد دور القطاع الخاص في التنمية المستدامة وإنعاش المناطق الصحراوية وتحويلها إلى مساحات خضراء.
في غضون الـ25 عاما الماضية، اتجهت شركة ييلي إلى اتخاذ التدابير للوقاية من الرمال ومعالجتها بصورة إيجابية، عبر تنمية صناعات ذات صلة بالصحراء و السعي وراء مشاريع الخدمات الاجتماعية المستدامة، وقد نجحت في إيجاد سلسلة صناعية أطلق عليها "نمط كوبوتشي" تجمع بين الوقاية من الرمال ومعالجتها واستعمالها مما خلق الذي يوفر طريقا جديدا ونموذجا ممتازا لمكافحة التصحر في العالم، كما وقامت بربط الصحراء عبر شبكة من الطرق لتسهيل المبادرات والمشاريع المختلفة، ويتفق مع قواعد حماية البيئة ويعزز مواصلة الإبداع.
فبالإضافة إلى مشاريع التشجير المختلفة، فهناك زراعة النباتات الطبية الصينية التقليدية التابعة لشركة ييلي، مشاتل زراعية تربو مساحتها على مليون مو (15 مو يساوي هكتارا واحدا) حيث يزرع فيها عرق السوس رئيسيا. ومن خلال معالجة وتنمية واستغلال هذا النوع من الأعشاب ذات الجودة العالية، شركة ييلي للموارد في تحقيق أكثر من عشرات المليارات من اليوانات من إيرادات المبيعات سنويا، كما وتعاونت مع خمس شركات كبيرة أخرى في إنشاء مجمع صناعي للاقتصاد المدور بالطاقة النظيفة، منها صناعة الأسمدة، تكنولوجيا تحويل الفحم الى الغاز، تنمية الصفصاف الصحراوي وتكنولوجيا الإنصهار والتغويز الحيوي الأخرى، تطوير الأسمدة المركبة القائمة على الكربون ومحسنات التربة، واستخدام رمال الصحراء ورماد الفحم المتطاير ونفايات صناعية أخرى لإنتاج بروبانت كسر النفط (Oil fracturing proppant) ذات التكنولوجيا الرائدة في العالم.
ولعل العلامة الفارقة للشركة هي في مجال الطاقة الشمسية التي لا تنضب في الصحراء، فقد تمكنت الشركة من إنشاء مشاريع متعلقة بالمنتجات الفوتوفولطية في سبيل استكشاف نمط عملي لتشغيل الموارد المتجددة والبديلة.
فبالإضافة إلى محطات توليد الطاقة الشمسية، فإن الشركة استغلت المساحة تحت ظل الألواح الشمسية، حيث يزرع المزارعون الذرة والأعشاب كما ويعملون على تربية دودة الأرض، ويقوم المزارعون أيضا بتربية الدجاج والبط والأغنام، وحتى زراعة الأرز في الصحراء.
وقد واجهت الشركة في البداية مشاكل عدة، لا سيما الرياح والرمال، فالرمال تغطي ألواح الطاقة الشمسية، ما يؤثر على توليد الطاقة، فيحتاج تنظيفها كل بضعة أيام، والأمر الذي يزيد من تكاليف المحطة، وقامت الصين بدعوة المزارعين لزراعة المحاصيل تحت الألواح الشمسية. بحيث توفر الحكومة المياه والكهرباء مجانيا، وكل الحصاد يعود للمزارعين، لكن بشرط ألا تتم سقاية الأرض مباشرة، بل عبر غسل الألواح بالماء أولا ما يمكنهم من سقي الأرض، وتقليل تكاليف تشغيل محطات الطاقة الشمسية.
وقد طرأت تغيرات كبيرة على حياة سكان منطقة صحراء كوبوتشي خلال السنوات الماضية، حيث تحولت المناطق القاحلة في مواطن إقامتهم إلى واحات جميلة تزينها ألوان الزهور وتغريد الطيور، وذلك بفضل تطبيقهم نظام مميز يتمثل في أربعة محاور "التوجيه السياسي الحكيم من السلطة المحلية" و"استثمارات الشركات" و"المشاركة الواسعة النطاق من الرعاة والمزارعين المحليين" و"مواصلة الإبداع التقني".
وتساهم الألواح الشمسية في ترسيخ الرمال وتقليل سرعة الرياح، كما وتحمي النباتات المزروعة من أشعة الشمس المباشرة، وتحتفظ برطوبة التربة ما يوفر بيئة جيدة لنمو المحاصيل وتساهم أيضا في مكافحة التصحر
وقد ابتكر الصينيون مادة جديدة من الرمال المقاومة للماء والقابلة للتنفس، تجعل زراعة الأرز في الصحراء حقيقة واقعية، حيث يمكن الآن رؤية حقول الأرز في كلا من صحراء كوبوتشي وصحراء أولان بوه.
وفي العام 2020، أعلنت الصين أنها ستسعى جاهدة لتحقيق "حياد الكربون" بحلول عام 2060، وتعتبر مكافحة التصحر بألواح الطاقة الشمسية وسيلة جديدة وفعالة للصين لمعالجة انبعاثات الكربون وتحسين البيئة.